د. ماجد عزت إسرائيل 
"النِّفَاق" مُصدَر لِكَلِمَة "نفَقَ"؛ وَهو إِظْهَارُ الْمَرْءِ خِلاَفَ مَا يُبْطِنُ، وَبِمَعْنًى آخَرَ من يُضْمِر العداوةَ ويظهر الصَّداقة. وَفِي ضَوْءٍ الكِتَاب المقدَّس فَإِنّ "النِّفَاق" يَعْنِي فِي جَوْهَره اِدِّعَاءٌ الْإِيمَانِ بِشَيْء مَعَ التَّصَرُّف بِطَرِيقَة تُخَالِفه، وَكَلِمَة النِّفَاق مُشْتَقّةٌ مِن الْكَلِمَة الْيُونَانِيَّةُ الّتي تُعْنى المُمثَّل– حَرْفيا، أَيْ شَخْصُ يَتَظَاهَر بِغَيْر حَقِيقَته، أَو مُراءًى، وَراءى النَّاسَ: نافَق، أظهر أمامهم خلاف ما هو عليه، أَيْ إِظْهَار التَّقْوَى الْمُزَيِّفَة أَمَامَ النَّاسِ. وَقُدّ لِخَصّ مَعْلَمنَا مَتَى فِي إِنْجيله كَلِمَة "الْمُرَائِينَ" حَيْثُ ذِكْرِ قائلاً: "«وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!" (مت 6: 5).وَهَؤُلَاء لِهَمِّ عُقَّابهُم فِي قولِ الكِتَاب:"أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَسَيَنَالُهُمُ الْعِقَابُ الْخَلِيقُ بِمَشُورَاتِهِمْ،إِذِ اسْتَهَانُوا بِالصِّدِّيقِ، وَارْتَدُّوا عَنِ الرَّبِّ"(حك 3: 10). وَاللّهَ لاَ يُحِبُّ النِّفَاق"لكِنْ سَيُفْحَصُ عَنْ أَفْكَارِ الْمُنَافِقِ، وَكُلُّ مَا سُمِعَ مِنْ أَقْوَالِهِ يَبْلُغُ إِلَى الرَّبِّ فَيُحْكَمُ عَلَى آثَامِهِ، لأَنَّ الأُذُنَ الْغَيْرَى تَسْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَصِيَاحُ الْمُتَذَمِّرِينَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهَا. فَاحْتَرِزُوا مِنَ التَّذَمُّرِ الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنِ الثَّلْبِ؛ فَإِنَّ الْمَنْطُوقَ بِهِ فِي الْخُفْيَةِ لاَ يَذْهَبُ سُدًى، وَالْفَمَ الْكَاذِبَ يَقْتُلُ النَّفْسَ".(ع9-11). وَيَعْتَبِر الكِتَاب المقدَّس النِّفَاق إحْدَى الْخَطَايَا. وَالنِّفَاق يَتَّخِذَ شَكْلَيْن هُمَّا اِدِّعَاء الْإيمَان بِشَيْء مَعّ التَّصَرُّف بطَرِيقِة تُنَاقِض هَذَا الْإِيمَانِ، التَّعَالِي عَلَى الآخَرِينَ فِي كُلِّ آنٍ أَيْ يُظْهِرُ التَّكَبُّرَ، وَالتَّعَاظُمَ وَكَلِمَة"الْكِبْرِيَاءُ مَمْقُوتَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ وَالنَّاسِ، وَشَأْنُهَا ارْتِكَابُ الإِثْمِ أَمَامَ الْفَرِيقَيْنِ" (سفر يشوع بن سيراخ 10: 7). وَأَيْضًا"أَوَّلُ كِبْرِيَاءِ الإِنْسَانِ ارْتِدَادُهُ عَنِ الرَّبِّ، إِذْ يَرْجِعُ قَلْبُهُ عَنْ صَانِعِهِ. فَالْكِبْرِيَاءُ أَوَّلُ الْخَطَاءِ، وَمَنْ رَسَخَتْ فِيهِ فَاضَ أَرْجَاسًا. وَلِذلِكَ أَنْزَلَ الرَّبُّ بِأَصْحَابِهَا نَوَازِلَ غَرِيبَةً، وَدَمَّرَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ" (سفر يشوع بن سيراخ10: 14-16)، "لأَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ(الْمُنَافِقُين) فَتَهْلِكُ." (مز 1: 6). وَللنِّفَاق مَظَاهِر مِنْهَا النِّفَاق فِي الْأَقْوَال وَالتَّصَرُّفَات، وَفِي تَقْريرِ الْأَدَاءِ وَالْمَوَاقِف، وَمُخَادَعَة الضَّمِير.
  
وَوَفَّقَا لَمَّا وَرْدٍ فِي الكِتَاب المقدَّس مِنْ نُصُوصٍ فَإِنّ الله يُدِين الْمُنَافِق، طُبِّقَا لِمَقَايِيسه الإلهيَّة الَّتِي تَقُومُ عَلَى تَقْيِيمَه لسُلُوكه وَلشَخْصِيَّته وَلأَعْمَاله. فَقَدَ أَدَان إشعياء النِّفَاق فِي عَهْدِهِ حَيْث ذُكِّر بِسُفَره قائلاً:"فَقَالَ السَّيِّدُ: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً." (إش 29: 13). وَأَيْضًا "يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ."(إش26: 10). وَبَعْدَ قُرُون عَدِيدَةً يَأْتِي السَّيِّدُ الْمَسيحُ وَيُنَبِّه وَيُحَذِّر الْقَادَة الدِّينِيِّين مِنَ النِّفَاق بِقَوْله: "يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ»" (مت 15: ٨-٩). وَأَيْضًا حَذِرَ الْمَسيحُ مِنْ التَّظَاهُر بِالتَّقَوِّي وَالْمُنَافِقُونَ قائلاً:"«اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!" (مت 7: 15). وَأَيْضًا "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ." (مت 23: 27). وَكَذُلّك "أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟" (مت 23: 33). ونَبِّه الكِتَاب الْمُنَافِقُون بِضَرُورَة  أَنْ يَصْنَعُوا "أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ." (مت 3: 8). وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يُكَوُّنّ الْمُؤْمِنِون أَنْقِيَاء الْقَلْبِ فـ"طُوبَى لأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ،لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ." (مت 5: 8). وكذلك "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!" (مت 7: 3-5). وَتَجِبُ هُنَا مُلَاحَظَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ مَنْ يَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ "لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!" (رو 2: 1).

    وَفِي ضَوْءٍ تعَاليم الكتاب المقدَّس فَإِنّ "الْمُنَافِق" بَارَّا مِنَ الخَارِجِ؛ وَلَكُنّ تَلُكّ وِجْهَةَ نَظَرِهِ الْخَاصَّة،ِ لِأَنَّ الْبِرَّ الحَقِيقِيُّ يَأْتِي مَنّ التَّغْيِير الدَّاخِلِيّ بِالرَّوْح،"وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ،" (مت 23: 5)، وأيضًا"فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ بِالأَوْلَى خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟  لأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الدَّيْنُونَةِ مَجْدًا، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا تَزِيدُ خِدْمَةُ الْبِرِّ فِي مَجْدٍ!(2 كو 3: ٨-٩). وَهُنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ أَنَّنَا نَّحْب اللّهِ إِنَّ كَنَا لَا نُحِبُّ إِخْوَتنَا لِأَنَك بِهَذِهِ الصُّورَةِ مازلتُ في الظُلمة "وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ."(1يو2: 11).يَجِبُ أَنْ تكُونَ المَحَبَّةُ "بِلاَ رِيَاءٍ.كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ."(رو12: 9).وَأَيْضًا "وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ."(1 تي 1: 5). وَكَذُلّك 

   وَأَخِيرَا، ففِي أَثْنَاءِ خَدَمَة السَّيِّدُ الْمَسيحُ عَلَى الْأَرْضِ دَخُّلً فِي مُوَاجَهَات مَعَ الْفَرِيسِيِّين الْقَادَة الدِّينِيِّين فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ بأُورْشَلِيمَ، وَكَانُوَا هَؤُلَاء مُتَخَصِّصٌون فِي عُلُومِ الدِّينِ أَيْ الدِّرَاسَاتِ الدِّينِيَّةِ وَاللَّاهُوتِيَّةِ، وَأَيْضًا غَيُورُون فِي إِتْبَاع كُلُّ حرَف مَنّ الناَّمُوسُ، أَيْ القانونُ أو الشَّريعة الإلهيَّة "عَالِمِينَ بِي مِنَ الأَوَّلِ،إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا، أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا الأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيًّا."(أع 26: 5). وَالْفَرِيسِيِّون كَانُوَا يُبَالِغُون فِي إِظْهَارِ رُوحَانِيٌّتهم الْمَزْعُومَة حَتَى يُحَصِّلُوا عَلَى المَدِيحُ فـ"يُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ،وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ،وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!"(مت23: ٦ -٧).وَقُدّ اِستَنكَرَ السَّيِّدُ الْمَسيحُ سُلُوكهُم قائلاً: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ."(مت 23: 23).فَقَدْ وَضَحَ الْمَسيحُ أَنَّ الْمُشْكِلَة لَيْسَتْ فِي"الناَّمُوسُ" وَلَكُنّ فِي فَهْمِ وطَرِيقَةِ التَّطْبِيقِ. وَحَالِيَّا صَارَّت كَلِمَة "الْفَرِيسِيِّي" مُرَادِفَة تَمَامَا لِكَلِمَة "الْمُنَافِق". وَالكِتَاب المقدَّس يَدْعُو أَوَلَادّه أَنْ يَسَعُوا إِلَى القَداسَة"لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»."(1 بط 1: 16). وَأَيْضًا "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ." (مز 1: 1). فعَلِّينَا أَنْ نَكُونَ "كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ."(رو 12: 9). وَنَتَمَسَّك بِإيمَانًا وَتعَاليم السَّيِّدُ الْمَسيحُ.