د. ماجد عزت إسرائيل
تحتفظ الذاكرة الوطنية المصرية بشهرَي يوليو وأغسطس كصفحتين مشتعِلتين من تاريخها الحديث. ففي عام 1882 دارت خلالهما أهم وقائع الثورة العرابية، حيث واجهت مصر الغزو الإنجليزي دفاعًا عن استقلالها وكرامة أبنائها. ويقف في قلب هذه الصفحات اسم الزعيم الوطني أحمد عرابي الحسيني المصري (1841–1911)، الذي خرج من قلب الفلاحين ليقود جيشًا وأمةً تطالب بالعدل والمساواة والحرية.
وفي صباح 11 يوليو 1882 دوّت مدافع الأسطول البريطاني على شواطئ الإسكندرية، فانهالت القذائف على الطوابي والمدينة في مشهدٍ دامي مثّل بداية العدوان المباشر على مصر. كتب عرابي لاحقًا أنه رفض مطالب الأسطول البريطاني بتسليم القلاع، مؤكدًا أن المصريين لن يكونوا البادئين بالحرب، وأنهم لن يتنازلوا عن حق الدفاع عن الوطن. وعلى الرغم من الدمار الذي حلّ بالإسكندرية، فقد أثبتت المقاومة المصرية أن الأمة لم تفقد عزيمتها.
وبعد انسحاب الجيش من الإسكندرية، أقام عرابي خط دفاع قوي في كفر الدوار، حيث وقف الجيش المصري في مواجهة التقدّم الإنجليزي يوم 5 أغسطس. وقد اعتُبرت تلك المعركة شهادة جديدة على صلابة المقاتل المصري الذي حمى العاصمة من السقوط المبكر، وأثبت أن النصر كان ممكنًا لولا التآمر الداخلي وتخاذل الخديوي توفيق. فلقد أكد عرابي في سيرته التي كتبها بخط يده أنه لم يكن طامعًا في سلطة أو جاها، بل مجرّد خادم للوطن، يطلب الحرية والعدل والمساواة لأبناء مصر، وأن ما جرى كان "بقضاء الله وقدره". وقد ظل يؤمن أن كفاحه ومعاركه، مهما انتهت عسكريًا بالخذلان، كانت زرعًا أنبت وعيًا وطنيًا لن يموت.
وهكذا، غدا يوليو وأغسطس 1882 فصلين خالدين في تاريخ الأمة: فصل الدم والنار على أسوار الإسكندرية، وفصل الصمود والإرادة في كفر الدوار. وبينهما ارتسمت ملامح مصر التي لا تنكسر، مصر التي قد تُهزَم عسكريًا لكنها لا تفقد إيمانها بالحرية، ولا تفرّط في حقها في السيادة. وما دام اسم أحمد عرابي الحسيني المصري حاضرًا في وجدان الأجيال، فإن ذكرى يوليو وأغسطس ستظل جرسًا يذكّر الأمة بأن الكرامة ثمنها غالٍ، لكن بقاءها في الذاكرة هو الضمانة لبقاء مصر حيّة لا تموت.
