بقلم الأب يسطس الأورشليمى
    إذ أراد الرسُول تأكيد حقيقة القيامة قال: نصير أيضاً بقيامته. حيث قدم لنا عربُون هذه القيامة خلال حياتنا الزمنية، لنمت هُنا عن الخطية فنحيا للبرّ، هذه هي القيامة الأولى التي يدعُوها جدة الحياة، أي عربُون القيامة الأخيرة، جسد الخطية الذي يبطل هُو شرُور الإنسان وآثامه التي عاشت فيه فمات رُوحياً، وبالمعمُودية يمُوت الإنسان القديم بهذا الجسد الآثام ليُمارس قُوة القيامة كحياة جديدة، بفكر جديد وتسبحة جديدة، إذ نخلع الإنسان القديم، فلا نسير في عتق الحرف، بل في جدة الرُوح، فالذي يُصلب مع المسيح الطبيعة الفاسدة التي طرأت عليه..

    لئلا يستثقل المُؤمن هذا الطريق وهُو: المُوت مع المسيح، خاصة وأنه يُطالبنا به كُل أيام غربتنا، بعد تمتعنا بالدفن معه في المعمُودية المُقدسة، أوضح مُعلمنا بُولس الرسُول جانبين وهما:

أولاً: هذا المُوت مع المسيح، يرافقنا الطريق بكُونه الحياة والقيامة..
ثانياً: أن المسيح مات مرة واحدة عن خطايانا وقام، فلا يعُود يمُوت ثانية، وهكذا يهبنا قُوة القيامة والغلبة على الخطية، بهذا لا يكُون مُوتنا عن الخطية حرماناً أو خسارة، بل ممارسة لقُوة الغلبة والنُصرة التي لنا بالمسيح غالب الخطية والمُوت، هذا ما قصده الرسُول بُولس..

    وقد أكد أن المسيح لم يمت عن ضعف خاص به، إنما للخطية لكي يُحطم خطايانا ويبددّ قُوتها، لهذا لم يعد لها سُلطاناً علينا مادمنا في اتحاد معه، حقاً الخطية خاطئة وبسببها مات المسيح عنا مرة واحدة، لكن بمُوته هدم سُلطانها، فلا نخاف السير معه في هذا الطريق، مات مرة بلا تكرار، لأنه لم يمت عن ضعف، بل عن قُوة الحُب الباذل، لكي إذ لا يمُوت مرة أخرى، يهبنا ونحنُ نشترك معه في مُوت، أن نشاركه قيامته التي لا يغلبها المُوت، هذه هي نعمة الله، وطرقه في إصلاح بني البشر حتى يحرّرهُم، أخيراً صار إنساناً حتى نقُوم مرة أخرى، ولا يعُود يملك المُوت..           
 
   لقد أكد أن المسيح مات مرة واحدة عن الخطية، لهذا ففي سرّ الأفخارستيا، نقبل المسيح الذي مات مرة على الصليب ولا يتكرر، إنما هُو ممتد في حياة الكنيسة كسّر غلبتها ونُصرتها على الخطية والمُوت، ويبقى مصدر تسبيحها الذي لا ينقطع حتى الأبدية، مقدماً ذبيحة الحُب باسمنا، هذه التي يشتهي أن يقدمها في حياة شعبه وخدامه ومحبيه..

    وفي لقاء المسيح مع بُطرس عند أبُواب رُوما، وهُو خارج تحت ضغط المُؤمنين، ليهرب من الاستشهاد، رأى السيد حاملاً صليبه، فعرف أنه يُريد أن يُصلب في شخص خادمه، لهذا عاد مرة أخرى إلى رُوما، وقدم نفسه للمُوت من أجل المسيح، وتمجّد الرّب يسُوع بصلبه..

    إن كان المسيح قد مات للخطية، كي لا يكُون لها سُلطان علينا، فإنه لا يليق بنا إلا أن ُنسلّم القلب عرشاً له، بعد أن ملكت عليه الخطية زماناً، لنمت عن الخطية فلا تملك علينا بعد، ولنحيا لله بالمسيح الذي يملك فينا ويقيم مملكته داخلنا، مقدمين أعضاء جسدنا، طاقاتنا، وعُواطفنا لحساب ملكُوته، كآلات برّ لله بعد أن كانت كآلات إثم للخطية..

    يُوضح أن المسيح هُو الذي يهبنا المُوت عن الخطية، والحياة للآب كأبناء له، وهُو الذي يُحطم الشهُوة الشريرة لا الجسد ذاته، محُولاً أعضاء الجسد من آلات إثم للخطية إلى آلات برّ لله، لذلك يجب أن يملك هُو فينا لا الخطية، وقُوله: لا تملكن الخطية في جسدكُم، إعلاناً عن استعباد الخطية للإنسان، إذ تُود أن تحكمه بالقُوة والقهر، لذا مَن يعُود إليها بعدما تمتّع بنعمة المسيح، يكُون كمن قذف بالتاج من على رأسه ليحني رقبته للعبُودية، وقُوله: في جسدكُم المائت، ليُوضح أن الجهاد لله ليس له نهاية..

   + لا يجسر أحد أن يقُول: ملكي وإلهي، إلا ذاك الذي لا تملك الخطية في جسده المائت، إنها كرامة عظيمة أن نكون عبيد للرّب لا للخطية، قلب الملك في يّد الرّب (أم1:21)، لنكن ملُوكاً  فنحكُم جسدنا من الخطية ونخضعه، فيكُون قلبنا في يد الله، هذا هُو عملنا الحالي مادامت حياتنا مستترة، ألا نُملّك شهُوة الخطية في جسدنا المائت، فإن كانت الخطية بالضرُورة مُوجُودة في أعضائك، فلا تجعل لها سُلطان عليك لتملك، وإنما على الأقل اطردها، ولا تطع متطلباتها، ورغباتها، وشهُوتها..

    ويلاحظ في الحديث عن الحرية التي صارت لنا في المسيح يسُوع، أنه يستخدم أسلُوب التشجيع، ويعُود فيدخل الثقة في نفُوسهُم بعد أن أزعجهُم بالخزي وأرعبهُم بالعقاب، مظهراً لهُم أنهُم نالوا الحرية من شرور كثيرة بفضل النعمة الإلهية، لذا وجب عليهُم تقديم الشكر لله على هذه العطية وبقُوله: أطعتم من القلب، يُشير إلى أن الحرية التي نُمارسها لا تتحقق عن قُوة أو إضرار، إنما تُمارس خلال الحُب وحده، أي القلب بكمال إرادتنا، فالحرية في المسيح هي عبُودية للبرّ، لكنها عبُودية الحُب الاختياري وليس عبُودية العنف الإلزامي، عبُودية النضُوج والالتزام بلا استهتار..

   لا يقل المسيحي: إنني حّر فيما أفعل ما يحلو لي، ليس لأحد أن يكبح إرادتي مادمت حراً، إن كنت بهذه الحرية ترتكب خطية، فأنت عبد للخطية ...  

 فلا تفسد حريتك بالتحرّر للخطية، إنما لاستخدامها في عدم ارتكاب الخطية  فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخُوة، غير أنه لا ُتصّيرُوا الحرية فرصة للجسد، بل بالمحّبة أخدمُوا بعضكُم بعضاً (غل13:5)..