القمص رويس الجاولى

... تابع الحقبة العثمانية:
+++ إن الهجرة المسيحية من سوريا نحو العالم الجديد سيّما نحو الولايات المتحدة والبرازيل قد بدأ في أعقاب النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ فُتحت باب الهجرة مع الامتيازات القنصلية للمسيحيين وهي في تلك المرحلة كانت هجرة بمعدلات طبيعية، لكنها تعمقت وتسارعت وتيرتها في أعقاب منتصف القرن التاسع عشر في بلاد الشام، تحديدًا في أعقاب مجازر 1860. ونشطت الهجرة في أوساط الريف والمدينة على حد سواء، وكان جور الإقطاع المحلي والضرائب الباهظة والتجنيد الإجباري وسياسة التتريك التي انتهجتها جمعية الاتحاد والترقي فضلًا عن الامتيازات الأوروبية على رأس عوامل الهجرة، التي تحولت إلى ما يشبه الظاهرة، ونشأت جمعيات أدبية واجتماعية في المهجر تنادي بحقوق المغتربين، كما ارتبطت بالذاكرة الشعبيّة عن طريق مجموعة من الأغاني والزجليات. وفقًا للمؤرخ فيليب حتي، وصل حوالي 900,000 شخص من سوريا العثمانية إلى الولايات المتحدة بين عام 1899 وعام 1919، وبحسب المؤرخ حتي كان أكثر 90% من المهاجرين من المسيحيين.

+++ وأصبحت المجتمعات المسيحية مشرقية بارزة ومندمجة بشكل جيد في أمريكا الجنوبية، وبرزوا في مجال الأعمال التجاريَّة، والتجارة، والخدمات المصرفيَّة، والصناعة، والسياسة. كان عدد سكان سوريا حين سيطر عليها العثمانيون نحو مليون نسمة، ومع بداية القرن العشرين قدر الباحث جورج سمنة العدد بنحو 4.9 مليون نسمة، منهم 1.4 مليون مسيحي أو حوالي ثلث سكان سوريا العثمانية. وقدّر الباحث سمنة أعداد الطوائف الكاثوليكية بنحو 820,000 نسمة، وكان الموارنة أكبر الجماعات الكاثوليكية وتركز وجودهم في متصرفية جبل لبنان، تلاهم أتباع كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك. وقدر الباحث سمنة أعداد الطوائف الأرثوذكسيّة بحوالي 580,000 نسمة، وكان الروم الأرثوذكس أكبر الجماعات الأرثوذكسيّة، تلاهم كل من النساطرة والأرمن الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس. وتركز أتباع الكنائس المسيحية السريانيّة في متصرفية الزور وولاية حلب وولاية ديار بكر. وتركزت بعض الجماعات المسيحية خصوصاً الروم الأرثوذكس والأرمن كجماعات مدينية وغنية في المراكز الحضريّة الكبرى مثل دمشق وحلب. ونتيجة للإغراءات التجارية أصبحت العناصر السكانية، خصوصاً المسيحيّة، تهاجر بالتدريج من الداخل إلى الساحل السوري، والذي أصبح يكتسب سمة مسيحية. وبحسب الباحث فيليب خوري أدت الإصلاحات العثمانيّة إلى ظهور عائلات مسيحيّة ويهوديّة والتي جنت ثروات نقدية كبيرة من خلال العمليات التجارية مع أوروبا. ومن العائلات السبعين التي شكلت الصفوة السياسيّة في دمشق كانت هناك خمس عشرة عائلة مسيحية، واحتلت هذه العائلات مواقع السلطة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى عام 1908، واحتلت فيما بعد واجهة العمل السياسي في مرحلة بروز الحركة المطلبيّة في مدن المشرق العربي، والتي تولى قيادتها بشكل أساسي آنذاك التجار المسيحيون المشرقيون في المدن، وكذلك في الحركة الفصيليّة وتكون حزب الشعب في سوريا فيما بعد.