ماهر عزيز بدروس

الجزء الثانى – القطاعات الاقتصادية (2)

3- قطاع التصنيع
يمثل قطاع التصنيع ما يقرب من ثلث الابتعاثات العالمية من غازات الدفيئة، ويمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة لإزالة الكربون فى التصنيع من خلال تحسين العمليات التشغيلية، والعمليات الصناعية الحالية بطرق فعّالة من حيث التكلفة.

وعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدى دورًا مهمًا في صناعة الصلب باستخدام أفران القوس الكهربائي- وهي تقنية مهمة لإزالة الكربون يتم فيها تصنيع الصلب من الخردة المعدنية المعاد تدويرها بدلاً من الفحم، كما يساعد في التعامل مع التفاوت في كل دفعة من الخردة المعدنية، من خلال التوصية بالإعداد الأمثل للإنتاج للتكيف مع التفاوت.

وباستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تمكن أحد مُصنّعي الصلب في البرازيل من تحقيق انخفاض بنسبة 8٪ في استهلاك المواد المضافة للسبائك، مما أدى إلى خفض التكاليف والابتعاثات معاً.

وبشكل أوسع، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في إزالة الكربون من قطاع التصنيع من خلال تمكين المصنعين من التكيف مع مشكلات الإنتاج بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وتجنب الأخطاء السابقة بالاستفادة من البيانات التاريخية، وتحسين مردود الإنتاج، وتعزيز إعادة التدوير، وإحراز الاقتصاد الداوَّر بالتكيف مع المواد المتغيرة المعاد تدويرها، وتقليل استهلاك الطاقة، واعتماد مصادر الطاقة البديلة، وتحسين جداول التصنيع وسلاسل الإمداد، لتقليل الأعباء اللوجستية.

4- قطاع النقل البرى
يُعد النقل البري جزءًا أساسيًا من الاقتصاد العالمي. وتعتمد وسائل النقل البري الحالية بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مما يُنتج نحو 12٪ من الابتعاثات العالمية لغازات الدفيئة.

ويمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة للمساعدة في تقليل ابتعاثات غازات الدفيئة من النقل البري، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع اعتماد المركبات الكهربائية بتحسين مواقع البنية الأساسية للشحن، وإطالة عمر بطاريات المركبات الكهربائية، وتشغيل شبكات السيارات مع شبكة الكهرباء Vehicle to Grid (V2G)، وتسريع الابتكار في البطاريات والمحركات الكهربائية والوقود البديل، ودعم نظم النقل الذكية، وتعزيز التحول في أنماط النقل، وتشغيل المركبات ذاتية القيادة (التي يمكن أن تقلل الابتعاثات بالقيادة في قوافل platooning، وتدابير أخرى).

بَيْدَ أن هناك عدة عوائق قد تعرقل التقدم، ومن أبرز العوائق نقص البيانات، وغياب معايير موحدة للبيانات، ونقص الكوادر المدربة، كما قد يؤدى استخدام الذكاء الاصطناعي في النقل البري إلى التحيز، وانتهاك الخصوصية، وزيادة ابتعاثات غازات الدفيئة من المركبات ذاتية القيادة نتيجة تسهيل استخدام المركبات الفردية.

ولتحقيق الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي في تقليل الابتعاثات من النقل البري ينبغي وضع معايير بيانات لتكنولوجيا النقل الذكي؛ وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُسرّع الابتكار في البطاريات، وغيرها من التكنولوجيات التي تقلل ابتعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن النقل البري.

5- قطاع الطيران
تشهد ابتعاثات قطاع الطيران نموًا سريعًا مع استمرار ارتفاع الطلب على نقل الركاب والبضائع، ويمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تقليل ابتعاثات الطيران وتأثيراته المناخية بعدة طرق. أحد الأساليب الواعدة التنبؤ بتكوّن الخطوط التكاثفية خلف الطائرات (الكونتريل- تكاثف بخار الماء من محرك الطائرة في الهواء البارد، كالسحب العالية تحبس الحرارة داخل الغلاف الجوي)، وتمكين إجراء تغييرات بسيطة في مسارات الرحلات لتفاديها (فقد أظهرت الأبحاث العلمية الناشئة أن التأثيرات المناخية للخطوط التكاثفية كبيرة جدًا، وتُضاهي القوة الإشعاعية لابتعاثات ثاني أكسيد الكربون المباشرة الناتجة عن الطيران.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا التنبؤ بالخصائص الرئيسية للتركيبات الجديدة من الوقود المستدام للطائرات
(SAF) Sustainable Aircraft Fuel، ما يساعد في تسريع اعتماد الوقود غير الأحفورى.

ويمكن للأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تحسين تصميم المحركات والطائرات لزيادة كفاءة استهلاك الوقود. ويساعد استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاكاة احتراق الوقود داخل محركات الطائرات في تحسين تصميم المحرك، واختبار مفاهيم تصميم جديدة كليًا.

ويمكن لأساليب مماثلة تحسين تصميم تبريد المحركات، مما يُطيل من عمرها التشغيلي، كما يمكن لطرق الذكاء الاصطناعي المساهمة في تصميم هياكل الطائرات واختبارها، وتصميم الأجنحة، وأغطية المحركات، لتقليل السحب الهوائي، وتخفيف الوزن، مما يعزز كفاءة استهلاك الوقود بشكل أكبر.

وفى تشغيل الطائرات يساعد الذكاء الاصطناعي فى اتخاذ قرارات فورية لتخصيص المدارج، وتوقيت الإقلاع والهبوط، وتحديد مسارات الصعود والهبوط، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد في تحسين كل هذه الجوانب، مما يزيد الكفاءة العامة، ويقلل من الاستهلاك غير الضروري للوقود.

وتركز الأطر التنظيمية لقطاع الطيران بشكل مناسب على السلامة، غير أنها قد تُشكل عن غير قصد عائقًا أمام تبني بعض الأساليب القائمة على الذكاء الاصطناعي، ولذلك يجب أن يعمل القطاع الصناعي والمبتكرون والحكومات معًا بشكل وثيق لتحقيق فوائد الذكاء الاصطناعي في التخفيف من آثار تغير المناخ في مجال الطيران. ويجب أن يكون العمل على خطوط التكاثف (الكونتريل) أولوية قصوى.

وإدراكاً لهذه الغاية، ينبغي على الحكومات الوطنية زيادة نطاق وجودة البيانات الجوية المتاحة للعموم، وإلزام جميع الطائرات التجارية والخاصة بالإبلاغ عن التأثيرات المناخية غير المرتبطة بثاني أكسيد الكربون (بما في ذلك تكوّن الكونتريل)، ونشر هذه البيانات بشكل علني.
نقلا عن الحوار المتمدن