بقلم الأب يسطس الأورشليمى
الإيمان ليس مجرد عقائدة ورثناها عن آبائنا لأنهم كانوا مؤمنين ، بل هو خبرة حياتنا مع الرب يسوع يوما فيوم من خلال عمل الله معنا .
من أجل هذا يقول القديس مار أفراهاط : لتقترب، أيها الحبيب، من الإيمان، لأن قدراته كثيرة جدًا. أصعد الإيمان (أخنوخ) إلى السماء، وغلب الطوفان، وجعل العاقر تنجب.
إنه نجىٌ من السيف، وأصعد من الجب، أغنى الفقراء، وحلٌ الأسرى، وخلص المضطهدين، وأطفأ النار، وشق البحر، وزعزع الصخر، وأعطى العطاش ماءً للشرب، وأشبع الجياع. إنه أقام الموتى وأخرجهم من الجحيم، وهدأ الأمواج، وشفى المرضى. قهر الأعداء وحطم الحصون. سدٌ أفواه الأسود، وأطفأ لهيب النار. أنزل المتكبرين وكرَّم المتواضعين. كل هذه الأعمال القديرة صنعها الإيمان .
أما القديس يوحنا ذهبي الفم يقول : [حقًا إن الإيمان لعظيم ويجلب خلاصًا، بدونه لا يمكن الخلاص قط ... لكن الإيمان وحده لا يكفي لتحقيقه ... إذ يقول: "فلنجتهد". لا يكفي الإيمان وحده، إنما يلزم أن يضاف إليه الحياة وغيرتنا أن نكون عظماء. يوجد لزوم للغيرة العظمى أن نرتفع إلى السموات. إن كان الذين نالوا ضيقات كثيرة في البرية لم يحسبوا أهلاً لأرض (الموعد) وكانوا عاجزين عن التمتع بها لأنهم تذمروا، فكيف بالأكثر نتأهل نحن للسموات إن عشنا مهملين وعاطلين؟! إننا في حاجه إلى غيرة شديدة].
الإيمان هو الخبر الذي سمعناه ونحن أطفال في سير القديسين ، ورايناه في المؤمنيين الذين حولنا في كل موضع توجدنا فية .
وقبلناه باقتناع قلوبنا . بكل حق و بكل صدق .
في هذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: قد يقول قائل: فهل يكفي أحدنا أن يؤمن بالابن فيمتلك حياة أبدية؟ نجيب: لا يمتلكها بجهة من الجهات، لأن المسيح نفسه يقول: "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات" (مت 7: 21).
فلو أن أحد الناس يؤمن بالآب والابن والروح القدس إيمانًا قويمًا ولا يسلك في حياة تقوية، لا يحصل له من إيمانه ولا على فائدة واحدة تبلغ به إلى خلاصه.
فلا تظن أن الإيمان بالابن فيه كفاية لخلاصنا، لكننا نحتاج إلى حياة قويمة مهذبة وطريق نقي طاهر.
بالإيمان نكلم الله فى صلواتنا ، فيصنع المعجزات الذي يعجز عن فعلها البشر ، وهذا يظهر بقوة في حياة الشهداء والمعترفين والمدافعين عن الامانةالارثوزكسية .
يقول القديس أثناسيوس الرسولي : [لا تقوم تزكية الشهيد على مجرد رفضه للتبخير للأوثان وإنما على رفضه إنكار الإيمان، فإن هذا يمثل شهادة واضحة عن الضمير الصالح.
هذا ولا يُدان فقط الذين ينجرفون إلى عبادة الأوثان كغرباء وإنما يُدان أيضًا الذين يخونوا الإيمان].
كما يمتدح الإيمان قائلاً: [إبراهيم الأب البطريرك قد قبل الإكليل ليس لأنه تألم حتى الموت وإنما لأنه آمن بالله، وأيضًا القديسون الذين ذكرهم بولس من جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والبقية لم يتكملوا بسفك دمائهم، إنما تبرروا بالإيمان، إذ كانوا مستعدين أن يحتملوا الموت من أجل التقوى نحو الله].
الإيمان يوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل .
ثم يأخذ العقل هذه المرحلة و يشرحها و الأمور التي هى فوق العقل ، يتسلمها الإيمان من الوحي ، من الكتب المقدسة ، حسبما كلم الله الأنبياء . من خلال "الإيمان المسلم مرة للقديسين", أو"الإنجيل"مكتوبًا في حياتنا ومنقوشًا في قلوبنا.
أنه بالأمر الحي، تسلمناه بواسطة الرسل الذين سلموه لتلاميذهم بعمل الروح القدس، الذي قاد مشاعرهم وعبادتهم وسلوكهم وكرازتهم. إذ هو على الدوام يعيش في الكنيسة ويعمل دومًا فيها- أمس واليوم وغدًا.
في هذا يقول القديس كيرلس الكبير: لم يأتمن حديثي الإيمان على نفسه... من هذا فليتعلم وكلاء أسرار المخلص ألا يدخلوا إنسانًا فجأة داخل الحجب المقدسة، ولا يسمحوا للمبتدئين الذين اعتمدوا قبل الأوان ولم يؤمنوا بالمسيح رب الكل في الوقت المناسب أن يقربوا من الموائد الإلهية.
الإيمان هو قضية خلاصينا ، بها يتعلق خلاص الانسان حسب قول الرب " من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16). ولهذا قال بولس وسيلا لسجان فيلبى " آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك" (أع16: 31).
في هذا يقول القديس يوحنا الإنجيلي عن كل ما سجله في إنجيله من آيات " وأما هذه فقد كتبت لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله. ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20: 31).
فى هذا يقول اراسحق السريانى الايمان بالله يحتاج إلى شهادة الضمير وشهادة الضمير تتولد من التعب فى الفضيلة والسهر فى الصلاة .
يا ابنى لا تمسك الرياح فى كفك أعنى الايمان بلا عمل وجهاد .
يقول الرسول بولس عن الإنجيل، أي البشارة السارة بالبر القادم من عند الله، فيقول “الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا” فالإنجيل صار ظاهراً لكل الناس وليس محصوراً في شعب ما أو أمة ما. لذا يضيف الرسول في النهاية عبارة “لأنه لا فرق (بين أممي ويهودي)” ، ثم يتكلم الرسول أن هذا البر ظهر على كل الذي يؤمنون سواء يهود أم أمم لأنه لا فرق. وهو يتحدث عن البر كأنه رداء يلبسه المؤمن فيظهر عليه أمام الله.
وفي الماضي لم يكن البر واضح أو ظاهر رغم أنه كان موجود. كل الذين تبرروا في الماضي تبرروا على حساب عمل المسيح الذي لم يتم بعد، وإن لم يكونوا يدركون هذا، لأنه لم يكن أمر ظاهر لهم، لكنه كان ظاهراً لله.
في هذا يقول القديس الأنبا انطونيوس الكبير : كل من يسلك بالتوانى والكسل فى روحياته فان آخرته تدركه قبل أن يصل إلى المسيح . هكذا جرى لحزقيا الملك عندما ادركه فناء أيامه وهو بغير اهتمام . فلما رجع عما كان عليه وطلب من الرب استحق زيادة سنين أُخر ونمى بالأكثر . فلما تمت تلك السنين فارقت نفسه جسده وهو فى غاية الكمال من خدمة الله .
إيضا يقول القديس مكاريوس الكبير: ان الرب يطيل آناته علينا ويمتحن ايمان مشيئتنا ومحبتنا له امتحاناً . فيجب علينا أن نزيد اجتهادنا ومثابرتنا فى طلب النعم والمواهب مؤمنين وواثقين ثقة كاملة بأن الله أمين فى وعده وهو يعطى نعمته للذين يداومون على الطلب بايمان الى المنتهى صابرين بغير تقلقل .
بالإيمان ننال غفران الخطايا. كقول القديس بطرس الرسول لليهود في يوم الخمسين، بعد أن نخسوا في قلوبهم وآمنوا وسألوا عن طريق الخلاص. فقال لهم " توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتلقوا عطية الروح القدس" (أع2: 38).
كما قال القديس بطرس الرسول في قبول كرنيليوس " له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا" (أع10: 43). وكذلك قال القديس بولس الرسول في مجمع إنطاكيةبيسيدية " فليكن معلومًا عندكم أيها الرجال الأخوة، أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا، وبهذا يتبرر كل من يؤمن" (أع13: 38، 39). " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36).
الإيمانيتعلق به الخلاص، وغفران الخطية، وعطية الروح القدس كالمعمودية لأنه لا يمكن أن تتم المعمودية بدون الإيمان أولًا. ولهذا حينما طلب الخصي الحبشي أن يعتمد، قال له فيلبس " إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز " فقال الخصى " أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله" (أع8: 36، 37). ومعروف أن الأطفال يعتمدون على إيمان والديهم. والتوبة والأعمال التي هي ثمر الإيمان لكي يكون إيمانًا حيًا.
فيقول القدّيس مار فيلوكسينوس: [الإيمان يعطي الإنسان قوّة إلهيّة فيه، حيث يؤمن أن كل شيء يريده يفعله!]
أما القديس أغسطينوس فيقول: الإيمان الجامعي (للكنيسة الجامعة) هو أن أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة... كما أن الآب والابن غير منفصلين، هكذا أيضًا أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة... ما يفعله الآب يفعله أيضًا الابن والروح القدس. فإن كل الأشياء صُنعت بالكلمة، عندما "تكلم كانت".
بالإيمان قبلنا وصايا الله الصعبة ومواعيده التي يبرهن على صدقها لا بكلمات وإنما بخبرة عملية عند ممارستها. بالإيمان نسلكها ونتقبل مواعيدها التي تبدو غير معقولة لكننا نكتشف صدقها خلال الخبرة. لهذا يتطلب الإيمان نفسًا نشطة ومملوءة غيرة، تسمو فوق الأمور الحسية وتعبر فوق كل تعقلات بشرية، فإنه لا يمكن أن تصير مؤمنة إن إن لم ترتفع فوق العادات العامة التي للعالم.
يرى القديس كيرلس الكبير أن الإيمان هو السراج، وكلمة الله المتجسد هو النور، إذ يقول: [كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور. فالسراج هو الإيمان، إذ كان هو النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسانٍ آتيًا إلى العالم (يو 9:1) أما صية القديس أثناسيوس الرسولي: أن نحفظ "تقليد الكنيسة الجامعة الأصيل، وتعاليمها وإيمانها الذى تسلمته من الرب وأعلنه الرسل وحفظه الآباء".