كتب - محرر الاقباط متحدون

إحتفلت البطريركية الأورشليمية بعيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور.

وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». متى الإصحاح 17 عدد 1-5.

السيد المسيح بتجليه أظهر لتلاميذه مجد قيامته, ولتقويتهم وتعزيتهم في ساعة آلامه, وبهذا التجلي أظهر لاهوته وأعطاهم الأيمان والرجاء  بقيامته من بين الأموات, وتذكيرنا من خلال تجليه الإلهي, بإمكانية استعادة النعمة الإلهية وجمال الطبيعة البشرية الأصيل, فضلاً عن تمهيدٍ لقيامته وقيامة الجنس البشري بأكمله.

 إحتُفل بهذا العيد السيّدي في دير جبل طابور حيث ترأس صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي المسائية يشاركه سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة متروبوليت بتوليمائيس عكا كيريوس مكاريوس, آباء أخوية القبر المقدس, ممثل بطريركية موسكو قدس الأرشمندريت نيكون, ممثل بطريركية رومانيا قدس الأرشمندريت يوحنا, آباء من الجليل ومن كنائس روسيا ورومانيا، المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس، والشماس المتوحد الأب بروذروموس. شارك في الترتيل الأب جيورجيوس من مطرانية إيليا في اليونان وجوقة الترتيل البيزنطية من مطرانية بتوليمائيس عكا, بحضور القنصل اليوناني العام في القدس السيد ذيميتريوس أنجيلوسوبولوس ومعاونيه, والمصلين الذين سمحت لهم سلطات الشرطة الإسرائيلية بالصعود إلى الدير.

صباح يوم العيد ترأس سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس خدمة القداس الإلهي ايضاً بمشاركة المصلين من بلدان وقرى الجليل.

كما وتم الإحتفال بالعيد في دير الجثسمانية المقدس حيث مزار قبر والدة الإله حيث ترأس الخدمة سيادة متروبوليت كابيتولياذا كيريوس إيسيخيوس, وأيضاً في كنيسة التجلي في رام الله حيث ترأس الخدمة سيادة رئيس أساقفة بيلا كيريوس فيلومينوس.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد تجلي ربنا و مخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يقول الرسول بطرس “لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ ( 2 بط1 : 16 )

أيُّهَا الإخوةُ الأحبَّاءُ في المسيح،

أيُّها المسيحيُّون الأتقياءُ.

إنَّ نعمةَ الرُّوحِ القُدُس قد جمعتْنا جميعًا في هذا الجبلِ المُقدَّس، جبلِ تابور، لكي نحتفل معيدين احتفاليًّا بحدث تدبيرِ الله العظيمَ أي تجلّي، ربِّنا وإلهِنا ومُخلِّصِنا يسوعَ المسيح.

ففي التجلّي، كما يقولُ الإنجيليُّ لوقا: «وفيما كان يسوع يُصلّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا.» (لوقا ٩: ٣٠). وكما يصفُ الإنجيليُّ متّى: ” وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. (متى ١٧: ١-٣).

 

ويُجيبُ القدِّيسُ غُرغوريوس بالاماس عنِ السُّؤالِ التالي: ما مَعنى التَّجلِّي؟ فيُجيبُ مُستشهِدًا بالقدِّيسِ يوُحنَّا الذَّهبيِّ الفَم: تَجلَّى، أي كَشَفَ عن أُلوهيَّتِه كما سُرَّ هو، مُظهِرًا لِمُسَارِّيهِ اللهَ السّاكنَ فيه وبتعبيرٍ أوفى: إنَّ المسيح قد فتح على نحوٍ ما سرَّ طبيعته الإلهيّة، كاشفًا لتلاميذِه المقرَّبين، أي الذين يعرفونهُ، الألوهة الحالَّة فيه.

وجديرٌ بالذِّكر أنَّ هذا الحدثَ العظيمَ والعجيبَ على جبلِ ثابور قد وقع قبل زمنٍ قليلٍ من آلامِ صَّليبهِ، ودفنِه الثلاثي الأيّام، وقيامته المجيدة، كما يُعبِّر عن ذلك بوضوحٍ مرنم الكنيسة: إِنَّ الَذِي خَاطَبَ مُوسَى عَلَى طُورِ سِينَاءَ قَدِيمًا بِرُمُوزٍ قَائِلاً: أَنَا هُوَ الكَائِنُ، اليَوْمَ تَجَلَّى فِي طُورِ ثَابُورَ عَلَى التَّلامِيذِ. وَأَظْهَرَ فِي ذَاتِهِ جَمَالَ عُنْصُرِ الصُّورَةِ الأَوَّلَ، بِاتِّخَاذِهِ الجَوْهَرَ البَشَرِيَّ. وَأَقَامَ شُهُودًا لِـهَذِهِ النِّعْمَةِ مُوسَى وَإِيلِيَّا، وَجَعَلَهُمَا مُشْتَرِكَيْنِ بِالسُّرُورِ، وَسَابِقَيِ الكِرَازَةِ بِالعَتْقِ بِوَاسِطَةِ الصَّلِيبِ وَبِالقِيَامَةِ الخَلاصِيَّةِ.

 
حَقًّا، إِنَّ حَدَثَ التَّجَلِّي، كَمَا يُرَنِّمُ الْمُرَنِّمُ، يُسْبِقُ وَيُعْلِنُ مُسْبَقًا يَوْمَ الْفِصْحِ الْمُضِيءَ، اَلَّذِي عَبْرَ طَرِيقِ آلَامِ الصَّلِيبِ سَيَقُودُ الْمَسِيحَ إِلَى ذِرْوَةِ مَجْدِ لَاهُوتِهِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، يُؤَكِّدُ بحسب شهادة الْإِنْجِيلِيُّ مَرْقُسُ، اعْتِرَافَ إِيمَانِ الرَّسُولِ بُطْرُسَ بِالْمَسِيحِ، قَائِلًا: “فَقَالَ يسوع لتلاميذه” «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ” (مرقس 8 : 29 )
 
إِنَّ الْمَسِيحَ لَيْسَ آخَرَ سِوَى الْكَائِنِ، أَيْ الله الكَلِمَة، اَلَّذِي أَظْهَرَ الْجَمَالَ الْأَوَّلِي والأصلي لِلصُّورَةِ، أَيْ مَجْدَ هَيْئَتِهِ الْإِلَهِيَّةِ، التي اتَّخَذَ َفِيهَا جوهر طَبِيعَتَنَا الْبَشَرِيَّةَ.”
 
إنَّ كلمة الله قد اتِّخذَ بالحقيقة الجَوْهَرَ البَشَرِيَّ بِالرُّوحِ القُدُسِ مِن دِماءِ العَذْراءِ النَّقِيَّةِ، والِدَةِ الإلٰهِ مَرْيَم، ويؤكد هذا الحدث أنه وَفِيمَا هُم” على الجبل” كَانَتْ سَحَابَةٌ تظلل التلاميذ وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا” ( لو 9 : 34-35 )
 
إنَّ مُرَنِّمَ الكَنِيسَةِ يُفَسِّرُ الصَّوْتَ الصَّادِرَ مِنَ السَّحابَةِ فَيَقُولُ: أَيُّهَا الـمَسِيحُ الَّذِي لا بَدَاءَةَ لَهُ، إِنَّ الرُّسُلَ السَّابِقَ انْتِخَابُـهُمْ، لَمَّا شَاهَدُوا عَلَى طُورِ التَّجَلِّي، انْبِعَاثَ نُورِكَ الَّذِي لا يُطَاقُ، وَلاهُوتَكَ الَّذِي لا يُدْنَى مِنْهُ، اسْتَحَالُوا مُنْذَهِلِينَ انْذِهَالاً إِلَـهِيًّا. وَإِذِ اسْتَنَارُوا بِضِيَاءِ السَّحَابَةِ الـمُنِيرَةِ، سَـمِعُوا صَوْتَ الآبِ مُثَبِّتًا سِرَّ تَـجُسِّدِكَ، لِأَنَّكَ لَـمْ تَزَلْ وَاحِدًا حَتَّى وَبَعْدَ التَّجَسُّدِ، أَنْتَ الاِبْنُ الوَحِيدُ وَالـمُخَلِّصُ العَالَـمَ.
 
حَقًّا، إِنَّ منتخبي الرُّسُلِ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ قَدِ اسْتَحالُوا مُنْذَهِلِينَ انْذِهالًا إِلٰهِيًّا، إِذْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُعَايِنُوا بِأَعْيُنِهِمُ البَشَرِيَّةِ النُّورَ الَّذِي لا يُسْبَرُ غَوْرُهُ، أَيْ نِعْمَةَ اللهِ وَنُورَهُ غَيْرَ المَخْلُوقِ، كَما يَقُولُ مُرَنِّمُ الكَنِيسَةِ: لَمَّا اتَّحَدَتْ بِالنَّاسُوتِ الطَّبِيعَةُ الَّتِي لا تَسْتَحِيلُ، كَشَفَتْ لِلرُّسُلِ عَنْ نُورِ اللَّاهُوتِ غَيْرِ الْهَيُولِيِّ الْمَحْجُوبِ، إِذْ أَشْرَقَتْ تَسْطَعُ عَلَى مَنوالٍ يَمْتَنِعُ وَصْفُهُ.
 
إنَّ النُّورَ الَّذِي أَشْرَقَ سَاطِعًا مِنْ ذَاتِ اللَّاهوتِ الْوَاحِدِ، هُوَ النُّورُ الَّذِي رَآهُ الأَنْبِيَاءُ مُوسَى وَإيليا بِالرُّمُوزِ عَلَى ْجَبَلِ سيناء. أَمَّا الرُّسُلُ فَلَمْ يَرُوهُ بِالرُّمُوزِ وَلَا بِالصُّوَرِ، بَلْ من خلال المسيح الإله المتجسد كَمَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِدِقَّةٍ الْمُرَنِّمُ قائلاً: لَقَدْ أَظْهَرْتَ جَمالَ عُنْصُرِكَ الأَصْلِيِّ فِي جِبِلَّتِكَ، أَيُّهَا المَسِيحُ الإله، يَا مَنْ بِيَدَيْهِ غَيْرِ المَنْظُورَتَيْنِ جَبَلَ الإِنْسانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَذَلِكَ لا بِصُورَةٍ، بَلْ بِنَفْسِ جَوْهَرِكَ كَما أَنْتَ، أَيُّهَا الإله وَالإِنْسانُ.
 
إِنَّ الغَمامَةَ الَّتي ظَلَّلَتِ الرُّسُلَ عَلى جَبَلِ طابورِ هَذا، قَد أشارَتْ بِأَجَلّى بَيانٍ إِلى نِعمَةِ الرُّوحِ القُدُسِ. فكَما يَقولُ القِدِّيسُ يوُحنا الدِّمَشقي إن الصَوتَ الذي مِنَ السَّحابَةِ قائِلًا: «هَذا هُوَ ابنِي الحَبيبُ، الَّذي بِهِ سُرِرتُ، فَلَهُ اسمَعوا (متى 17: 5).، هو مِنَ الرُّوحِ المُحيي وَالرِّئاسي وَلِهَذا، فَإِنَّ ابنَ اللهِ الوَحيد، إِلهَنا وَمُخَلِّصَنا يَسوعَ المَسيح، يَدعُونا أَن نَسمَعَ له، كما اعتِرفِ بهِ القِدِّيسِ بُطرُسَ الرَّسولِ قائلاً «إِنَّ كَلامَ الحَياةِ الأبدِيَّةِ عِندَكَ» (يوُحنا 6: 68).
 
وَمَعَ المُرنِّمِ نَهتِفُ وَنَقولُ: إِنَّنا بِنُورِكَ الَّذي ظَهَرَ اليَومَ عَلى تابور، أَيُّهَا الكَلِمَةُ، النُّورُ الَّذي لا يَستَحيلُ، المَولودُ مِنَ الآبِ، النُّورِ غَيرِ المَولودِ، رَأَينا الآبَ النُّورَ، وَالرُّوحَ القُدُسَ النُّورَ، الَّذي يُنيرُ الخَليقَةَ كُلَّها.