خالد منتصر
هل عندما يخرج علينا عالم حفريات قائلاً «لا توجد حفرية مكتشفة حتى الآن تقول إن هناك إنساناً قد عاش ألف عام على كوكب الأرض»، نكفره ونتهمه بالإلحاد؟، وإذا رد عليه رجل دين بأنه من الممكن أن نكتشفها فى المستقبل، فيخرج عليه عالم فسيولوجى أو بيولوجى ليحسم المسألة قائلاً: «مستحيل أن يكون قد حدث هذا فى الماضى، أو سيحدث حتى فى المستقبل القريب، وذلك لعدة أسباب...»
، هل نضعه فى السجن بتهمة ازدراء الأديان؟!، لم تعد اتهامات الكفر والإلحاد ولا سجن المفكرين المختلفين مع السائد حلاً لإنقاذ المجتمعات من تناقضات التراث، ولكن الحوار الصحى فى مناخ يسمح بالاختلاف هو الحل، فشباب زمن الذكاء الاصطناعى وانكشاف المعلومات بالإنترنت وجوجل قديس العصر الجديد، لم يعد يقبل أن تقول له «هى كده»،
أو «عقلك زى الحمار يوصلك لغاية الباب، وتربطه قدامه»!، لم يعد يقبل إلا الإقناع بالعقل والمنطق وذكر الأسباب، لكن ما هى الأسباب عند عالم الحفريات؟، ببساطة أقدم حفرية عنده لإنسان ما قبل التاريخ، هى حفرية «سيدة شانيدار» التى وجدوها فى شمال العراق وهى من نوع Homo neanderthalensis (إنسان نياندرتال).
وقدروا عمرها بـ ٤٠ أو ٥٠ سنة وهو عمر كبير بالنسبة لهذا النوع، وهناك حفرية أخرى وجدوها فى فرنسا واسمها Granny – La Chapelle-aux-Saints وقدروا عمرها بثمانين عاماً، وإذا انتقلنا إلى أسباب عالم البيولوجى الذى يؤكد على أن أطول عمر لإنسان عاش على كوكبنا هو حوالى ١٢٠ عاماً أو أكثر قليلاً؟، فماذا ستكون إجابته، سيقول إن ذلك يرجع إلى ثلاثة أسباب يجمعها عنوان الشيخوخة البيولوجية والتى تحدث نتيجة تلف الحمض النووى (DNA damage) المتراكم، وقصر ما يسمى التيلوميرات (أغطية نهاية الكروموسومات)،
التى لها نهايات مثل نهاية رباط الحذاء المعدنى الذى عندما يسقط وتقصر التيلوميرات جداً، تتوقف الخلايا عن الانقسام، وأيضاً نتيجة تراكم الطفرات وضعف آليات الإصلاح مع زحف الشيخوخة وتقدم السن، إذن العالم قدم مبرراته لرفض وإنكار أن هناك من عاش ألف عام، لكن المتدين سيصدم، ورجل الدين سيعترض ويغضب، وهذا من حقهما فهناك النبى نوح الذى كتب فى التوراة والقرآن أنه قد عاش حوالى ٩٥٠ عاماً، ما العمل؟، وما الحل؟، بهدوء وبدون تعصب،
وبدون تراشق بالاتهامات، فكما قلت لم تعد هذه الحلول مجدية، وإذا كانت مجدية وناجحة عن طريق إسكات المفكرين المتسائلين وسجنهم وإخراسهم، فهذا نجاح زائف مؤقت، يزيد من عدد الملحدين لا المؤمنين، لأنهم سيحسون بالتناقض ومحاولة فرض الأمر بالتخويف والترهيب فقط، الحل ليس مسؤولية عالم الحفريات ولا البيولوجى، إنها مسؤوليتك أنت يا رجل الدين، أن تجد تخريجة أو تأويلاً، وقد حاول المفكر محمد شحرور أن يقدم لك حلاً، من الممكن ألا يعجبك وألا تقتنع به، لكنه قدم اجتهاداً،
ناقشه ولا تكفره، قال شحرور إن لفظ السنة غير العام والحول، والسنة الشمسية هى الحول، والسنة من الممكن أن تكون دورة زراعية مثلاً، أو وحدة قياس مختلفة فى زمن النبى نوح، إذا كان لا يعجبك رأى شحرور يا فضيلة الشيخ، خذه نقطة انطلاق وقدم تفسيرك أنت، لكن أن تظل متمترساً فى حصنك التراثى وقلعتك الفقهية، صارخاً لا، لا يوجد عندى إلا التفسير الحرفى، ومن سيقترب من هذه التفاسير القديمة سأضع السيخ المحمى فى صرصور ودنه، فهذا أسلوب لم يعد مجدياً حتى مع الأطفال، حاولوا التوفيق قبل الطوفان.
نقلا عن المصرى اليوم