بقلم الأب يسطس الأورشليمى
أيوب الصديق رمز الصبر والثبات في التجارب حتى أن الرسول يوجه أنظارنا إليه لنتعلم منه فضيلة الصبر والثبات والاحتمال أمام التجارب المحرقة فيقول: " خذوا يا إخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب، ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب معه، لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " ( يع 5 : 10 – 11 ).
ولما احتمل أيوب التجربة واجتازها بثبات ونجاح " رد الرب سبي أيوب، وزاد الرب على ما كان لأيوب ضعفًا، وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه " ( أى 42 : 10 – 12 )، كان أيوب في تجربته يرى الرب بعين الإيمان والنبوءة آتيًّا من بعيد كمخلص ومنقذ ولذلك تعزى في ضيقته، يقول أيوب بروح النبوءة " أما أنا فقد علمت أن وليي حي ويظهر على الأرض في آخر الزمان، وبعد أن يفنى جلدي هذا وبدون جسدي أرى الرب " ( أى 19 : 25 – 27 ) حسب النص القبطي – القديسة مريم شابهت أيوب في الصبر والاحتمال، فقد فقدت والديها منذ صباها وفقدت معهما نعمة حنان الأبوة والأمومة، وكابدت متاعب اليتم المبكر بكل ثقله وحرمانه.
لما ظهرت عليها علامات الحمل وهي في بيت يوسف، ظهرت عليه هو بالتالي علامات الشك والارتياب في سلوكها، ولو كان رجلاً عاديًّا لهمّ بقتلها، ولكنه إذ كان رجلاً باراً أراد تخليتها سرًا ( مت 1 : 19)، كانت القديسة مريم تشعر بارتياب الرجل في أمرها ولكنها تحملت في صمت وتسليم تاركة الأمر للرب لكي يقنعه بطهارتها ويكشف له الأمر بوضوح وجلاء، وقد فعل الرب ذلك إذ فيما كان يوسف متفكرًا في هذه الأمور إذا ملاك الرب ظهر له في حلم قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ( مت 1 : 20 )، فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته ( مت 1 : 24 ) بعد أن استرد ثقته فيها واطمأن إلى طهارة سيرتها ونقاوة حياتها. احتملت العذراء كثيرا في سبيل ابنها الحبيب فقد هربت به إلى مصر في رحلة شاقة مخيفة متعبة، ومكثت ما يقرب من ثلاث سنوات متغربة بالضنك والفاقة حتى أمر ملاك الرب يوسف بالعودة مع العائلة المقدسة إلى فلسطين.
جاز في نفس العذراء سيف الألم كما تنبأ لها سمعان الشيخ ( لو 2 : 35 ) عندما أمسك اليهود ابنها الوحيد وحاكموه ثم أحضروه لبيلاطس فأيد حكمهم بموته صلبًا بعد عذابات شديدة ومؤلمة على مرأى ومسمع من أمه المباركة بكل ما تحمله من حنان الأمومة ورقة المشاعر وحساسية الفضيلة، مما أتعبها جدًا وألمها غاية الألم، كل هذا تقبلته بصبر واحتمال مثل أيوب البار الذي احتمل التجربة حتى تزكى قدام الله ونال المواعيد.