د. ماجد عزت إسرائيل
يُعد القديس حبيب جرجس من العلامات المضيئة في تاريخ الكنيسة القبطية. وُلد في حي الظاهر بالقاهرة عام 1876م لأسرة بسيطة؛ كان والده موظفًا بوزارة الداخلية، ثم تُوفي عام 1882م فتولت والدته تربيته. تلقى تعليمه بالمدارس المصرية، وتخرج في المدرسة الثانوية للأقباط عام 1892م، ليلتحق بعدها بالكلية الإكليريكية التي افتتحها البابا كيرلس الخامس (1874–1927م) في نوفمبر 1893م. وكان من أوائل الدارسين على يد القمص فيلوثاؤس، ناظر الكلية في ذلك الوقت.
وفي عام 1918م عينه البابا كيرلس الخامس مديرًا للمدرسة الإكليريكية (1918–1951م). ومنذ ذلك الحين لعب حبيب جرجس دورًا بارزًا في نهضة الكنيسة القبطية؛ إذ ساهم في تأسيس مدارس جديدة، ووضع نظامًا علميًا لمدارس الأحد، وشارك في المجمع الملي، وترك مؤلفات علمية أصبحت ركيزة من ركائز التراث القبطي الحديث. وتتلمذ على يديه شخصيات بارزة مثل البابا شنودة الثالث (117)، والأب متى المسكين، والأنبا غريغوريوس.
وقد ظل القديس حبيب جرجس يكافح لنشر التعليم والثقافة الكنسية حتى نياحته في 21 أغسطس 1951م عن عمر ناهز 75 عامًا. وفي يونيو 2013م اعترف به المجمع المقدس كأحد قديسي الكنيسة، ونُقل جسده الطاهر إلى كنيسة السيدة العذراء بمهمشة، ليصبح رسميًا من القديسين الذين يُذكرون في المجمع المقدس أثناء القداس. وكان حبيب جرجس مدركًا لقيمة التراث الثقافي القبطي ولدور الكنيسة المصرية في صياغة المسيحية عبر العصور. وإزاء التحديات التي واجهتها الكنيسة من المبشرين الأجانب ومن التيارات الإسلامية السياسية، خاصة مع نشأة الحزب الوطني عام 1907م، لجأ إلى مفهوم الأمة القبطية ليؤكد أن للأقباط كيانًا ثقافيًا وروحيًا يضمن لهم مكانة فاعلة في المجتمع المصري الحديث. ويُذكر أن الكاتب محمد حسنين هيكل أشار إلى أنه كان أول من استعمل تعبير الأمة القبطية، معتبرًا إياه مصطلحًا "خطيرًا" يتجاوز حدود الكنيسة ليعبر عن جماعة أوسع.
في سبيل تحقيق نهضة الأمة القبطية، عمل حبيب جرجس على:
أولا: إحياء تعليم اللغة القبطية للأقباط عامة وللشماسـة والكهنة خاصة.
ثانيًا: تطوير الهرم الكنسي من القاعدة الشعبية حتى البطريرك.
ثالثًا: تشجيع الأراخنة على تأسيس أوقاف عقارية وزراعية لدعم الكنيسة.
رابعًا: إنشاء الجمعيات الخيرية والملاجئ والمستشفيات والمدارس المهنية.
خامسًا: تطوير الكلية الإكليريكية، التي نقلت بين مواقع عدة حتى استقرت بالأنبا رويس عام 1954م، وابتكر فيها نظام القسم المسائي عام 1945م.
وقد امتد تأثير الأمة القبطية في الثلاثينيات والأربعينيات ليشمل مختلف الجوانب:
أولا: دينيًا: استعادت الكنيسة مكانتها وهيبتها.
ثانيًا: اقتصاديًا: ساهم الأقباط بأكثر من ثلث موارد الاقتصاد القومي من خلال شركاتهم ومصانعهم.
ثالثًا: سياسيًا: حظي الأقباط بمكانة بارزة في البرلمان، والأحزاب، والمناصب السيادية.
مع نياحة حبيب جرجس، كان مفهوم الأمة القبطية قد ترسخ كإطار جامع للكنيسة وشعبها، وأسهم في إرساء نهضة قبطية فكرية وروحية واقتصادية أثمرت حتى عشية ثورة يوليو 1952م.