الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
هذا الموال ليس مجرّد شجن شعبي أو بكاء على الأطلال. هو أشبه بأشعياء جديد يقف في قلب السوق، أو بيوحنا المعمدان وهو يصرخ في برية السياسة، أو بأوسكار روميرو وهو يعلو بصوته في كاتدرائية سان سلفادور، متحديًا الطغيان.

 الخنجر أرحم من الخيانة
"طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا" هنا لا يتحدّث الشاعر عن ألم الجسد، بل عن جرح الكرامة. في علم اللاهوت، القهر السياسي والديني أخطر من الموت، لأنه يسلب الإنسان صورته الإلهية (تك 1: 27). الخيانة من الداخل — من أبناء الوطن أو من قادة يبيعون الشعب — هي الطعنة الحقيقية التي لا تلتئم.

الصبر الذي يزرع الثورة
"الصبر حلم العواجز يطرح زهور الأماني" يصبح الصبر السلبي الساكن حلم العاجزين، أما الصبر الحقيقّ فليس صبر الاستسلام، بل صبر الأنبياء الذي يحضّر الأرض للانفجار بالحرية. هو الصبر نفسه الذي حمله موسى أربعين عامًا في البرية، وحمله المسيح في جتسيماني وهو يواجه ليل الخيانة. الصبر هنا فعل مقاومة، لا مساومة.

فضيحة القيادات الدينية العاجزة
"سألت شيخ الطريقة… مارضيش يجاوب سؤالي" هنا يفضح الشاعر دينًا بلا نبوّة، دينًا يهرب من مواجهة الطغيان، ويختبئ خلف المراسم والشعارات. هذا ما وبّخه يسوع في متّى ٢٣ قادةٌ يحمّلون الناس أعباء ثقيلة ولا يلمسونها بإصبعهم. الكنيسة الحيّة، حسب المجمع الڤاتيكاني الثاني، ليست تلك التي تحفظ النظام القائم، بل التي "تفرح مع الفرحين وتبكي مع الباكين" (روم ١٢: ١٥) وتدوس على النار لتكون مع شعبها.

الوطن الجارح والوطن المخلِّص
"أنتي الجراح الرهيبة وانتي اللي عندك دوايا" هنا تلتقي الجلجلة بالقيامة. الوطن الذي يجرح هو نفسه الذي يشفي، لأن الخلاص في المسيحية لا يأتي من الهروب، بل من مواجهة الصليب. كما تُحوَّل خشبة الإعدام إلى شجرة حياة، هكذا يتحوّل الوطن من ساحة قهر إلى أرض ميلاد جديد.

البعد الفلسطيني – اتحاد الدماء
ختم الشاعر الموال بـ"موال فلسطيني" يفتح الجرح على اتساعه، ليعلن أن الألم واحد، وأن قضية الحرية لا تُختزل في حدود أو جنسيات. في المسيح، "هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا" (أف ٢: ١٤). هذه وحدة الدماء في وجه المستعمر والطاغية معًا.

هذا الموال، في ضوء اللاهوت السياسي، هو نصّ مقاومة. إنه دعوة للكنيسة أن تتجاوز جدران المذبح لتقف مع شعبها في الميادين، أن تعلن إنجيل الحرية في وجه السلطة الظالمة، وأن تدرك أن الله لا يسكن في صمت الحياد، بل في صرخة المقهورين.

نص الموّال:
يما مويل الهوى يما مويليا 
طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا
الصبر حلم العواجز يطرح زهور الأماني 
والقهر عدى الحواجز وانا اللي واقف مكاني 
شايف غيطان البشاير خايف وكانن ايديا 
عدا الحمام اللي طاير مرضيش يرفرف عليا
ما مويل الهوى يما مويليا 
طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا
سألت شيخ الطريقة مارضيش يجاوب سؤالي 
ودارا عني الحقيقة وفاتني حاير في حالي 
سألت شيخ الأطبا  دوا الجراح اللي بيا
نظرلي نظرة محبة وقال دوايا ف أيديا
يما مويل الهوى يما مويليا 
طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا
يا مصر ونتي الحبيبة وانتي اغترابي وشقايا 
أنتي الجراح الرهيبة وانتي اللي عندك دوايا 
علمني حبك عبارة سهلة وبسيطة وعفية 
شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية 
 أحمد فؤاد نجم

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ