بقلم الأب يسطس الأورشليمى
البابا بطرس بطريرك الإسكندرية الذي استشهد عام 311م، هو أول من استخدم لقب "إيبارثينوس" أي دائمة البتولية للقديسة مريم، قائلاً: يسوع المسيح قد ولد حسب الجسد من مريم سيدتنا القديسة المعظمة والدة الاله "ثيؤطوكوس" الدائمة البتولية،و هو لقب وحيد لم يطلق إلا على والدة الإله القديسة العذراء مريم أم الله المتجسد. هي فتاة ناضجة عذراء مخطوبة لرجل ولم تنجب أولاد. 
 
"وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ. إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ". (لو 1: 26-27).
 
"مِنْ قُدَّامٍ الْمُغَنُّونَ. مِنْ وَرَاءٍ ضَارِبُو الأَوْتَارِ. فِي الْوَسَطِ فَتَيَاتٌ ضَارِبَاتُ الدُّفُوفِ. المقصود بهن العذارى أو الفتيات غير المتزوجات". (مز 68: 25).
" وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ". (أش 7: 14).
 
   وكلمة العذراء في نبؤه أشعياء النبي، تعني فتاة عذراء في سن النضوج والزواج ولكنها غير متزوجة بمفهوم (العلاقة الجسدية)، مثل رفقة عروس إسحق وعذارى سفر النشيد وأخت موسى العذراء التي لم تكن قد تزوجت بعد، وعروس النشيد، وضاربات الدفوف في المزامير في فريق التسبيح للرب، هي فتاة عذراء بتول عفيفة لا تعرف رجلاً ولم تنجب أولاد (ويمكن أن تكون مخطوبة لرجل).
 
 "وَكَانَتِ الْفَتَاةُ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ جِدّا وَعَذْرَاءَ لَمْ يَعْرِفْهَا رَجُلٌ. (تك 24: 16)، "عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ " (خر 22: 16)، "هَذَا يَأخُذُ امْرَأةً عَذْرَاءَ". (لاو 21: 13). "فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ"(تث 22: 28).
 
   وقد وصف الرسول بولس الكنيسة بأنها عذراء عفيفة مخطوبة لرجل واحد هو المسيح، "لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ". (1كو11: 2)، وصف العهد الجديد مريم العذراء بكلمة (بارثينوس): "عذراء لا تعرف رجلاً"، "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ (بارثينوس) تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (مت 1: 23)"، عَذْرَاءَ (بارثينوس) مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ (بارثينوس) مَرْيَمُ." (لو1: 27)
 
والعجيب هنا أن أشعياء استخدم في نبوءته لفظة (عَولْما)، (عذراء مخطوبة) وهنا كان اختياره للكلمة أكثر ضمان للمعنى النبوي وأكثر إعجازاً من حيث وصف حقيقة ما سيتم بالفعل من أن مريم ستكون عذراء ومخطوبة لرجل (يوسف النجار)، وهكذا اختار الوحي كلمة (عَولْما) للعذراء مريم في سفر أشعياء للدلالة على أنها ستكون فتاة ناضجة وفي سن الزواج، كما إنها ستكون تحت وصاية خطيب لها، وذلك حسب الترتيب الإلهي لحمايتها عند الحمل والولادة وعدم اتهامها بالزنى.
 
وشاء إلهام الوحي الإلهي في الترجمة السبعينية من العبرية إلى اليونانية أن يتم ترجمة آية أشعياء النبي "هَا الْعَذْرَاءُ (عوَلْما)" بالعبرية إلى "هَا الْعَذْرَاءُ (بارثينوس)" باليونانية، بمعنى عذراء بتول بكر عفيفة لم تعرف رجلاً قط (أي عدم وجود علاقة جنسية)، ولم يتم ترجمها إلى نيانيس neanis وهو المرادف اليوناني لكلمة (عوَلْما) العبرية، وذلك للدلالة على أنها ستكون عذراء دائماً ولن تعرف رجلاً قط لأن محتوى الآية يدل ويؤكد على هذا المعنى، وأن الفتاة المقصودة وإن كانت ستكون ناضجة ومخطوبة وتحت وصايا خطيب إلا أنها ستكون عذراء لم ولن تعرف رجلاً قط (بارثينوس) رغم خطبتها ليوسف.
 
ولقد كان جميع الناس في العهد القديم منتظرين ذلك المولود من نسل المرأة الذي سيأتي ويسحق رأس الحية، ويكون بكراً مولود من فتاة عذراء (عوَلْما)، أي بحسب مفهومهم سيولد من عذراء تزوجت ثم أنجبت وليس من أرملة أو مطلقة عرفت رجلاً قبل ذلك.
 
لأنه من الطبيعي في ضوء العادات والتقاليد أن الفتاة المخطوبة (عوَلْما) مصيرها في النهاية هو الزواج، فهل تخطب الفتاة لكي تظل مخطوبة دائماً؟ بالطبع لا تخطب الفتاة وتظل هكذا مخطوبة، بل حتماً تنتهي مرحلة الخطوبة بالزواج.
 
ولقد استشهد متى بما جاء في سفر أشعياء النبي عن بتولية مريم الدائمة: "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). (مت 1: 23)، "وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ". (أش 7: 14).
    قال أشعياء النبي العذراء تحديداً، وليس عذراء، وإذ به يوضح أن العذراء هو لقب مقصود بالتحديد لتلك التي ستلد عمانوئيل، فهي ليست عذراء لحين بل عذراء كل حين (العذراء). لأنه من الطبيعي أن أي فتاة بكر تتزوج كانت في الأصل عذراء، وقد تكون متزوجة (ليست عذراء) ولا تحبل، ولكن أشعياء هنا أكد أن تلك العذراء آية السيد الرب ستحبل وتظل عذراء وتلد وتظل عذراء، لأن لقبها العذراء.
 
   ولوحظ أن الأصل العبري في سفر أشعياء يُبرز معنى أن كلمة "العذراء" جاءت معرفة بحرفي الألف واللام، كصفة نوعية مستديمة ولقب دائم لأم عِمانوئيل، إذ عُرّفت ب "ال": "هوذا العذراء" وليس "هوذا عذراء" للربط بين دوام البتولية وحقيقة التجسد، ولقد كان في إمكان أشعياء أن يقول: "ها عذراء تحبل وتلد ابناً".
 
وهكذا اتفق أشعياء النبي ومتى الرسول على إطلاق لقب "العذراء" على مريم، ومع العلم بأنّ الطبيعة تنفي أن تكون الوالدة (الأم) عذراء، إلا أن وصف مريم بأنها "العذراء" يعني دوام بتوليتها وهذا اللقب خاص بها وحدها من دون نساء العالم من قبل ومن بعد، والتأكيد على أنه حدث واحد وحيد حدث ولن يتكرر إلى الأبد.
 
وقيل في قصة سمعان الشيخ الذي حمل السيد المسيح وهو طفل على زراعية وباركه (لوقا 2: 25-35)، أنه كان أحد الاثنين وسبعين شيخًا من اليهود الذي طلب منهم بطليموس بن لاجيس الملقب بالغالب حوالي سنة 269 قبل الميلاد ترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانيّة وإيداعها في مكتبة الإسكندرية، والتي سُمِّيت بعد ذلك بالترجمة السبعينيّة، أنه لما وصل إلى أية "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (أش 7: 14)، أنه أراد حذف أداة التعريف (أل) من كلمة (العذراء) لتصبح (عذراء) أو استبدال كلمة العذراء بكلمة فتاة وهي تعنى عذراء أو امرأة تخوفاً من سخرية الملك من ذلك، فظهر له ملاك الرب وأكّد له أن يكتب ما يقرأ (العذراء) وأنه لن يرى الموت حتى يعاين مولود هذه العذراء، وقد تم ذلك وعاش هذا البار نحو 300 سنة حتى ولد السيد المسيح، وكان قد كف بصره، وعند قدوم الطفل يسوع إلى الهيكل أتى بالروح إلى الهيكل وحمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح، مشتهيًا أن ينطلق من هذا العالم بعد معاينته بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم، ويقال أنه تنيح في اليوم التالي مباشرة.
 
أما في العهد الجديد عند ولادة السيد المسيح وبعد إتمام خلاص العالم بصلب السيد المسيح، كشف لنا الوحي الإلهي في الأناجيل إعلان تلك الحقيقة وفك رموز سر التجسد الإلهي العظيم: "عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ".(1تي 3: 16).
 
فقد تبين لنا أن مريم العذراء (عوَلْما) كانت بالفعل مخطوبة، وظلت مخطوبة بدون زواج ولم تعرف رجلاً قط، ولكنها حبلت بالسيد المسيح بدون زرع بشر وبدون أن تعرف رجلاً قط، لأن الروح القدس حل عليها وقوة العلي ظللتها فكان القدوس المولود منها هو ابن الله، فانطبق عليها لقب العذراء البتول (بارثينوس).
 
وهكذا جمعت العذراء بطريقة معجزية بين الكلمة العبرية العذراء المخطوبة (عوَلْما)، والكلمة اليونانية العذراء البتول (بارثينوس)، فكانت العذراء البتول المخطوبة.
 
يقول يوحنا الدمشقي: ولما كان عدو خلاصنا يترصد العذارى لسبب نبؤه أشعياء القائل "ها العذراء… ". ولكن لكي يصطاد الحكماء بخدعتهم فلكي يخدع المتباهي دوماً بحكمته دفع الكهنة بالصبية للزواج من يوسف، وكان ذلك كتاب جديد مختوم لمن يعرف الكتابة، فأصبح الزواج حصناً للعذراء وخدعه لمترصد العذارى، "لأني اختار النفوس المقدسة واسكن فيها " فهي أكثر شخصية متضعة يسكن الله في أحشائها.
 
هناك ناس لما تأخذ النعمة تزداد اتضاعاً وآخرون يتكبرون، لكن العذراء بعد ما أخذت هذه النعمة ذهبت لتخدم أليصابات وهذا هو سر عظمة العذراء أنها متضعة.
 
أيضاً " افرحي أيتها العابدة " على الرغم من أنها أم الله لكنها عابدة مثلنا، لأن العذراء جسدها كان محتاج للخلاص فهي قالت " تبتهج روحي بالله مخلصي".
 
وفي (مز 45) يقول " اسمعي يا ابنه وأميلي سمعك وانسي شعبك وبيت أبيك لأن الملك قد اشتهى حسنك" فهو مزمور عن العذراء، أمة الله "ابني والهي" لم يكن فاديه ولا مخلصه بل عابدة لذلك نقول: "الأم والعبدة ". 
 
يقول القديس ديديموس الضرير: "العذراء أثناء وبعد الميلاد، فهي الدائمة البتولية"، فالله لا يسمح أن يمر هو من أحشائها وبعدها تتزوج وتعيش الزوجية، الهدف أن الإنسان يكون مكرس حياته ومشاعره لربنا ويعيش في نقاء مع الله، فإيمان الكنيسة أن العذراء دائمة البتولية قبل الحبل وأثناء الولادة وبعد الولادة، دائمة البتولية.
 
" ها السيد يعطيكم نفسه آية أن العذراء تحبل وتلد ابناً"، هذه معجزة تفوق عقل البشر، حزقيال قال عنها إن الباب مغلق ويدخل ويخرج منه الله بختومه وهذا مثلما دخل الله من الأبواب وهي مغلقة.
 
كانت أيضاً العذراء مصممة على بتوليتها. تريد أن تعيش عروس للمسيح فهي تتجمع فيها النقاء والبتولية والطهارة تعيش حياتها مكرسة لله لذلك لما قال لها الملاك عن أنها ستلد ابناً قالت له: " كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلاً"، لذلك اختار لها الله يوسف البار.
 
هذا كله كان ترتيب إلهي المزود والخشبة التي يصلب عليها فكم يكون الحال لاختيار العذراء تكون خصصت حياتها لله، لذلك كان يوسف البار مقرب لها بالجسد، من بيت داود ويملك على بيت داود إلى الأبد.
 
في إنجيل متى يقول: " لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن توجد حبلى من الروح القدس". 
 
يقول إيريناؤس أسقف ليون: الذي هو كلمة الله، ولد حقاً. من مريم التي كانت وحتى الآن (هي) عذراء، كما طبق نبؤه إشعياء التي يقصد بها النبي عودة بني إسرائيل إلى أورشليم على العذراء، "قبل أن يأخذها الطلق ولدت. قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكراً، من سمع مثل هذا، من رأى مثل هذا"، واعتبر أن النبي يقصد ميلاد المسيح بطريقه ليس لها مثيل، وهو بذلك يؤكد بتوليه العذراء.