جيهان بسطا
في عالمٍ يرفع شعارات العدالة وحقوق الإنسان، ما تزال سوريا وفلسطين مثالين صارخين على حجم الفجوة بين الأقوال والأفعال. فالقهر الذي يعيشه الشعبان السوري والفلسطيني يتشابه في أوجه كثيرة، لكنه يختلف في السياقات والفاعلين. وبينما تحظى القضية الفلسطينية باهتمام عربي ودولي أوسع – ولو على مستوى الشعارات – يبدو السوريون وكأنهم يواجهون مأساتهم في عزلة شبه تامة، إلا من بعض المواقف الإنسانية الفردية.

أولًا: القهر في فلسطين
منذ أكثر من سبعة عقود، يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي سلب الأرض، وهدم البيوت، وضيّق الخناق على الحريات. انتهاكات الاحتلال تتنوع ما بين:
•    مصادرة الأراضي والممتلكات.
•    حصار غزة الذي حوّل الحياة اليومية إلى معاناة مستمرة.
•    الاعتقالات التعسفية، بما فيها اعتقال الأطفال.
•    القتل الميداني وتقييد الحركة.

ورغم ذلك، فإن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة في الإعلام العربي والدولي، وتحظى بمنابر سياسية وحقوقية تنادي بحقوق الفلسطينيين.

ثانيًا: القهر في سوريا
منذ عام 2011، انزلقت سوريا إلى دوامة حرب طاحنة، خلفت مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين، وملايين النازحين واللاجئين. أوجه القهر هناك تتمثل في:
•    القصف العشوائي على الأحياء السكنية.
•    الاعتقالات والاختفاء القسري والتعذيب الممنهج.
•    تجويع المدنيين عبر الحصار.
•    التهجير القسري وتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق.

لكن مأساة السوريين تفتقر إلى الحضور المؤثر على الساحة العربية، وكأنها قضية داخلية تخص السوريين وحدهم، رغم حجم الكارثة الإنسانية.

ثالثًا: أوجه التشابه والاختلاف
التشابه:
•    القهر والظلم الممنهج.
•    انتهاك الحق في الحياة والحرية والأمن.
•    المعاناة اليومية التي تحوّل الحقوق الأساسية إلى حلم بعيد.

الاختلاف:
•    في فلسطين، الاحتلال خارجي واضح المعالم، بينما في سوريا تعددت الجهات المنتهكة للحقوق بين أطراف محلية وإقليمية ودولية.
•    فلسطين تحظى بملف موحد أمام العالم، بينما الملف السوري ممزق بين روايات وصراعات سياسية.

رابعًا: أين العالم العربي من مأساة السوريين؟
الموقف العربي من القضية الفلسطينية – رغم التراجع – ما زال قائمًا على دعم سياسي وإعلامي نسبي، لكن في حالة سوريا، شهدنا صمتًا رسميًا في كثير من المراحل، أو انحيازًا لطرف على حساب آخر، ما زاد من تعقيد الأزمة. فبدلًا من أن يكون التضامن العربي جدار حماية للسوريين، تحوّل في بعض الأحيان إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول.

خاتمة
القهر الذي يعيشه السوريون والفلسطينيون ليس مجرد شأن محلي، بل وصمة في جبين الإنسانية، ودليل على أن حقوق الإنسان تصبح نسبية أمام المصالح السياسية. وإذا كان العالم العربي جادًا في الدفاع عن المظلومين، فعليه أن ينظر إلى سوريا بعين لا تقل دموعها عن تلك التي تذرف لفلسطين، فالجراح واحدة، والإنسانية لا تتجزأ.