هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
تُعد قضية التحول الجنسي من القضايا الجدلية المعقدة التي تتشابك فيها الأبعاد القانونية والدينية والاجتماعية، وتثير نقاشًا واسعًا في العديد من المجتمعات بين القبول والرفض. وفي مصر، يتعامل المشرع مع هذه المسألة بحذر شديد، واضعًا شروطًا صارمة لتنفيذ أي إجراء لتغيير الجنس، ومقصرًا الموافقة على حالات نادرة للغاية، شريطة أن تكون مدعومة بتقارير طبية معتمدة.
 
ورغم أن القانون المصري لا يتضمن نصًا تشريعيًا صريحًا ينظم “التحول الجنسي” بوصفه إجراءً طبيًا أو اجتماعيًا، فإنه يتعامل معه ضمن إطار القوانين العامة، ولا سيما:
 
قانون تنظيم مهنة الطب، الذي يجرم أي تدخل طبي يفتقر إلى دوافع علاجية مثبتة.
 
قوانين الأحوال المدنية، التي تحدد ضوابط تعديل البيانات الشخصية في بطاقات الهوية وشهادات الميلاد.
 
قوانين العقوبات، التي تعاقب أي طبيب أو شخص يُجري عملية تحويل جنسي دون مبرر طبي معتمد.
 
من الضروري التمييز بين المفهومين:
تصحيح الجنس: إجراء طبي لتعديل الجنس في حالات العيوب الخلقية أو الاضطرابات الجينية أو الخلل البيولوجي المثبت، ويُسمح به إذا أوصت به لجنة طبية مختصة وأيدته الفحوص والتحاليل.
 
التحول الجنسي: تغيير من ذكر إلى أنثى أو العكس بناءً على الهوية الجندرية دون وجود خلل بيولوجي مثبت، وهو ما يرفضه القانون المصري، ويُعد مخالفًا للشريعة الإسلامية التي يستند إليها التشريع، وكذلك للتعاليم المسيحية.
 
أصدرت النقابة عام 2003 مدونة أخلاقيات المهنة التي تحظر إجراء عمليات تغيير الجنس إلا في حالات تصحيح الجنس المثبتة طبيًا، واشترطت لذلك:
عرض الحالة على لجنة طبية ثلاثية تضم أطباء في الغدد الصماء، والطب النفسي، والجراحة.
 
إثبات وجود اضطراب عضوي أو خلقي مثبت بتحاليل الكروموسومات والفحوص الطبية.
 
الحصول على موافقة كتابية مسبقة من اللجنة العلمية بالنقابة قبل أي تدخل جراحي.
 
رفض أي عملية تهدف فقط لتغيير الجنس بدافع نفسي أو اجتماعي.
 
هناك الأبعاد الدينية والاجتماعية لهذه القضايا الشائكة 
الإسلام: يجيز الأزهر الشريف ودار الإفتاء عمليات تصحيح الجنس عند وجود مبررات طبية واضحة، ويرفضان التحول الجنسي لمجرد الرغبة الشخصية باعتباره “تغييرًا لخلق الله”.
المسيحية: ترى أن الجنس جزء من خلق الله ولا يجوز تغييره، مع السماح في حالات استثنائية نادرة إذا ثبت طبيًا وجود اضطراب خلقي منذ الولادة.
المجتمع المصري: يتبنى موقفًا محافظًا في مجمله، وينظر إلى التحول الجنسي بحساسية ثقافية واجتماعية بالغة.
 
توجد أسباب الرفض
مخاطر صحية وجراحية ونفسية، منها الاكتئاب والقلق واضطرابات الهوية.
 
إمكانية نشوء صراعات اجتماعية ونفسية بعد العملية.
 
تعارضها مع القيم الدينية والأخلاقية السائدة.
 
إن موقف القانون المصري من التحول الجنسي موفق للغاية ويتسم بالصرامة، حيث يقصر الموافقة على حالات نادرة تستند إلى دلائل طبية قاطعة بوجود خلل بيولوجي أو خلقي، في توازن بين الضوابط القانونية والطبية وأحكام الشرع، بما يعكس الطبيعة المحافظة للمجتمع المصري. وفي المقابل، يجب توفير الدعم النفسي والطبي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات جنسية، وتوعية المجتمع بمسائل الهوية الجنسية بما يضمن الحد من التمييز والعنف.شء