زهير دعيم
الشّعر عبر العصور، كان صدى الأرواح وهمس القلوب. وحين ضاق الوزن والقافية عن التعبير عن الألم والحلم والآمال والافراح ، انبثق الشّعر الحرُّ وولدَ كجسر بين اللغة والمشاعر، بين الحرف والنبض وبين القلب والعقل .

صحيح انّ الشِّعر الحرّ لا يتقيّد بقوالب عروضية ثابتة ،  بل يمنح الشَّاعر مساحة واسعة ليقول ما يشاء، كيفما يشاء، بشرط أن تبقى الرّوح الشعرية نابضة في كل سطر وهامسة في كلّ الكلمات .  

وللحقّ أقول إنّه ليس نثرًا مزخرفًا ومُلوّنًا ، بل هو إيقاع داخلي، يُولَد من حرارة الشعور وصدق التجربة .
وما يُميَّز الشّعر الحُرّ هو  أنه قادر على ترجمة خَلجات القلب دون أن يعرقلها قيد، فينساب كما الماء في جدول، أو كما تنهيدة تخرج من صدر عاشق او كما اشعة الشّمس تُزغردُ في السّحَر.  

فكثير من القصائد التي كتبت بهذه الطريقة حملت أحزان وطن، ووجع أمّ، ودمعة يتيم، وحلم إنسان وهيام عاشق وكركرة شلّال . 
ولأنه حرّ، صار أقرب إلى المتلقّي، خصوصًا في هذا العصر المتسارع والرّاكض،  الذي تغيّرت فيه الأذواق،  وتنوّعت الأهداف ، وتباعدت فيه المسافات بين الناس واللغة الكلاسيكية المقفّاة التي قيّدت الاحاسيس في قوالب عروضية ، تجعلك ترضى احيانًا بما لا يُعجبك ولكنّها الضّرورة .

وخلاصة القول :
الشّعر الحرّ جميل لأنه صادق ، أنيق لأنّه يتلفّع بالحقيقة ويتزيّا بالواقعية .  
والجمال الحقّ لا يكون  إلّا حيث الصدق والأمانة والمشاعر الفيّاضة المنبثقة من نفس توّاقة للحياة . 

 وها أنا – إنّ صحّ التعبير – الوّن مقالتي عن الشّعر الحرّ بقصيدة حرّة سترى النّور قريبًا من ديواني : زخّات عِطر
زخّاتٌ من الأماني
على وقْعِ زخّاتِ المطرِ 
أرسمُ كلماتي 

أخطُّ حروفي 
وأُلوّنُ بالدفءِ هَمساتي 
وأُعطِّرُ بشذا الجَمَراتِ قصائدي
وأروحُ أغزلُ من البروقِ 

شالًا 
واضمامةَ محبّةٍ
وفُسحةَ أملٍ 

وأعزفُ معَ الرُّعودِ 
أنغامًا لا تعرفُ السّكوتَ 
تقولُ بملءِ فِيها :  
أذوبُ حُبًّا بالحياةِ 
وبربِّ الحياةِ 
حتّى ولوْ جمَدَ الرّجاءُ لحيظةً 

أو كادَ 
وغابَ 
خلفَ الفِ جدارٍ 
وألفِ قضيّةٍ 
فالبابُ سيُفتحُ يومًا 
وتدخلُ النسَماتُ 

ويُزهرُ اللّوْزُ والأقحوانُ 
وتسري البسماتُ الى القلوبِ 
فتغرّد أغرودةَ الأزل
على وقعِ حبّاتِ المطرِ.