بقلم : نسيم مجلي
الدعوة التى وجهها الدكتور عصام العريان مستشار الرئيس مرسى والعضو البارز فى حزب الحرية والعدالة الذى يحكم مصر الآن بدعوة اليهود المصريين الذين طردوا فى الستينات بأن يعودوا الى وطنهم مصرو أن يعيشوا كمواطنين مصريين أثارت كثيرا من المناقشات فى وسائل الإعلام فى الوقت الذى لا يعرف الكثيرون فيه من أبناء الأجيال الجديدة شيئا عن هؤلاء المواطنين وكيف تم طردهم . وممساهمة منى فى الكشف عن حقائق هذاا الموضوع يلزمنا أن تتناول هذه الدراسة الى نشرها الدكتور على شلش لتجرتبين هامتين في تاريخ مصر الحديث هما:
- التجربة اليهودية.
- المحافل والجمعيات الماسونية في مصر.
ويتناول الباحث ، الدكتور على شلش كل تجربة في قسم خاص من كتابه ثم يكشف العلاقة بينهما في نهاية الجزء الجزء الثاني حين يؤكد محاولة استغلال الصهيونية للمحافل الماسونية لترويج فكرة الوطن القومي لليهود. وينهج الدكتور على شلش نهجاً موضوعياً يتحرى الدقة والوصول إلي الحقيقة، كلما وجد إلي ذلك سبيلا. يتضح ذلك من قراءة اسماء المراجع والوثائق ومصادرها المتعددة ثم يورد الآراء المختلفة ويقابل بينها ويفندها على ضوء الوثائق والمراجع والوقائع المعروفة حتى يصل إلي الحقيقة المنشودة من هذا الموضوع. ومن هذه الزاوية تأتي قيمة هذه الدراسة التاريخية الجديدة في تناول تجربتين من أخطر وأهم تجارب التاريخ المصري الحديث.
وهذان الموضوعان كانا قبل هذا الكتاب مجالاً مليئاً بالفجوات التي يكثر حولها اللغط وتختلط فيها الحقائق بالأوهام. وقد قدم على شلش في هذا الكتاب مرجعاً صادقاً وموثقاً لهذين الموضوعين . وأكد بما لا يترك مجالاً للشك مقولته من أن " الهدف من دراسة التجربة اليهودية في مصر الحديثة على ضوء التاريخ والسياسة، لا لخدمة أهداف السياسة ولا لخدمة تسييس التاريخ.
إذن فالباحث يطرح البديل الموضوعي لتناول هذه التجربة ، البديل الذى يتحاشى زرع العداوة وإثارة الشكوك كما يفعل البعض لتبرير أغراضهم في تسييس التاريخ وهذا مايشير يشير إليه على شلش قائلاً:
" وقد نجح اليهود في إقامة دولة عن طريق السياسة ، ونجحوا أيضاً في تجميع مادة تاريخهم في أوروبا. ولكنهم لم ينجحوا حتى اليوم في تخليص أنفسهم من الهوى السياسي, وكتابة تاريخهم بمعزل عن أهدافهم السياسية، ولا سيما فيما يتعلق بالتجربة اليهودية في البلاد العربية قبل ظهور إسرائيل. والسبب في هذا الاخفاق ليس نقص المادة التاريخية المتاحة كما يشكو معظم مؤرخيهم فحسب، وإنما يكمن سر الإخفاق، في محاولتهم كتابة تاريخ اليهود في مصر الحديثة من منطلق فكرة سياسية معينة وتتلخص هذه الفكرة في أن اليهود عاشوا في اضطهاد دائم".
ولا يكتفي الباحث بالقول بأن هذه الفكرة ركيزة الفكر الصهيوني أو أنها فكرة أوربية الموطن والهوى. دعمها اضطهاد اليهود في أوروبا واحلامهم في الفرار إلي فلسطين . وإنما يأخذ الأمر بكل جدية وصدق لكي يفرق بين الحقائق والأوهام.
وقد كان مدخل الباحث إلي هذه المسائل مدخلاً أدبياً، أو هكذا يبدو. فقد بدأ مناقشته للموضوع من خلال تناوله لقصة " الخروج الثاني" التي تزعم مؤلفتها أنها "رواية تاريخية".
وواضح أن العنوان مأخوذ من التوراة من سفر " الخروج" الذي، يحكي قصة خروج اليهود من مصر بقيادة النبي موسى عليه السلام، في عهد منفتاح الأول ابن رمسيس الثاني في حوالي سنة 1230 ق.م ولكن الخروج الثاني الذي تعنيه المؤلفة هو الذي تم في اعقاب حرب فلسطين 1948.
وصاحبة الرواية " أرا أهاروني" اسرائيلية، ولدت وتربت في القاهرة ثم ضمها ذلك الخروج الثاني المزعوم سنة 1949 فذهبت إلي إسرائيل، وهناك احترفت الآدب ونشرت خمس مجموعات من الشعر والقصص، كان آخرها ديوان بعنوان " من الأهرام إلي جبل الكرمل" الذي أصدرته عام 1980 ونالت بسببه بضع جوائز محلية. كما أنها تساهم في تحرير مجلة للشعر بالانجليزية، وتقوم بتدريس الآدب الانجليزي بجامعة حيفا. وكانت رسالتها للدكتوراه عن الكاتب اليهودي الأمريكي صول ( شاؤل) بيللو.
وفي فصل بعنوان " المحاضرة " تقول البطلة إن عدد اليهود في مصر خلال القرن الميلادى الأول بلغ مليون نسمة وكان معظمهم يعيش في الإسكندرية ويرد على شلش على ذلك بأن هذا الرقم مبالغ فيه لأن سكان الإسكندرية خلال تلك الفترة لم يزيدوا على ( 600 ) الف نسمة. وكان معظمهم من اليونان والرومان.
ثم تقرر المحاضرة أنهم من نسل ذلك المليون . أما لماذا تناقض عددهم؟ فتجيب بأن كثيرين منهم تركوا المنطقة تحت وطأة الاضطهاد في عهد الاغريق أولا ثم في عهد الرومان، وقد دفعهم القهر إلي الثورة عدة مرات. وعن الحكم العربي الإسلامي تقول المحاضرة: " إنه جاء وقت تمتعوا فيه بدرجة من التسامح والحماية في ظل شريعة البلاد، ووقت آخر، تعرضوا فيه للاضطهاد واضطروهم إلي وع نجمة صفراء على ملابسهم لتميزهم من المسلمين. وكان وضعهم الرسمي أهل زمة – أي الذين تحت الحماية – غير متساويين بالمواطنين المسلمين ولم يكونوا مواطنين حقيقيين لهم حق المواطنة" بالرغم من أنهم كانوا موجودين في المنطقة قبل العرب كما ذكرت من قبل.
ويرى على شلش أن في هذا تحامل على التاريخ ثم يلفت نظرنا إلي أن ظهور إسرائيل (1948) كان فاصلاً بين الموضوعية والتحامل في تناول اليهود في المنطقة العربية بالذات. ويرد على ذلك مستشهداً بكتاب بنيامين جوردون " أرض اليهود الجديدة: الحياة اليهودية في فلسطين ومصر الحديثة" وفي هذا الكتاب المتحيز– تحدث الرجل عن التسامح والازدهار اللذين لاقاهما اليهود على أيدي العرب المسلمين ولم يذكر حادثة اضطهاد واحدة. وليس أدل على هذا من التقدم الذي أحرزه اليهود في مصر قبل العصر الحديث ، حين كانت مصر ملجأ لهم من الاضطهاد الذي لا قوه في أسبانيا بعد سقوط الحكم العربي هناك. وقد جاء مصر في تلك الفترة أبراهام من عزرا، موسى بن مسيمون وسعيد الفيومي ويعقوب بن كلس، والشيخ السديد ابن أبي البيان، وغيرهم من أحبار وعلماء ووزراء اليهود وأطبائهم في تلك العصور.
ولكن على شلش لا يقول شيئاً محدداً عن النجمة الصفراء ولماذا أرغم اليهود على وضعها في بعض العهود ربما لأن اهتمامه الأساسي يتركز على تاريخ اليهود في العصر الحديث.
وأهم ما تثيره المحاضرة في هذا الشأن هي مسألة الجنسية إذ تزعم المحاضرة أن خمسة في المائة حصلوا عليها عن طريق الرشوة ولكن الأغلبية لم تتمكن من ذلك. ويقتبس على شلش الرد على هذه النقطة من كتاب " يهود الشرق الأوسط " الذى وضعه حاييم كوهين ، الأستاذ بالجامعة العبرية حيث يقول:
" إن قانون الجنسية المصرية الصادر سنة (1929) كان يقضى بقبول طلب كل مقيم في مصر للحصول على جنسيتها ما لم يثبت أنه يحمل جنسية أخرى ولكن اليهود في مصر، باستثناء قلة قليلة، لم يقدموا طلبات للحصول على الجنسية المصرية لانهم لم يعلقوا عليها أهمية كبيرة. ولكن حين تم تعديل القانون فيما بعد.. بحيث يقضي بعدم منح الجنسية إلا لمن يثبت مولد جده في مصر، أو إقامة أسرته في مصر بشكل دائم منذ سنة (1848) ، أصبحت غالبية اليهود في مصر غير مؤهلة للحصول على الجنسية المصرية. ومن ثم يبقى ألوف منهم غير معيني الجنسية".
وهذا التوضيح المحدد المعنى نقلته ماريون وولفصون في كتابها " الأنبياء في بابل" ورأت فيه دليلاً على عدم اندماج يهود مصر في المجتمع المصري على عكس يهود العراق. ولكنها لاحظت أن نحو (30) ألف من يهود مصر في القرن الماضي كانوا يحملون جنسيات أجنبية في الوقت الذي لم يزر فيه كثيرون منهم البلاد التي حملوا جنسيتها. وكان ذلك العدد يقرب من نصف عدد اليهود في أواخر القرن الماضي. ( هذا الرقم مبالغ فيه جداً لأن عدد اليهود لم يصل إلي 60 ألف إلا في عشرينات هذا القرن).
معنى هذا كله في النهاية، أن اليهود الذين حرصوا على الجنسية المصرية قد حصلوا عليها قبل صدور قانون (1929) وبعده، وأن هذه الجنسية لم تكن تشكل لهم مشكلة خطيرة في الحقيقة إلا في عام (1947). ففي ذلك العام أصدرت وزارة النقراشي باشا الثانية قانون الشركات رقم (138) الذي اشترط لأول مرة في تاريخ مصر المالي والاقتصادي كما يقول عبد الرحمن الرافعي. أن يكون للمصريين أكثر من النصف على الأقل من أسهم كل شركة تتألف في مصر، واشترط نسبة معينة من الموظفين المصريين يتحتم على كل شركة مراعاتها. وبهذا القانون تهدد وضع اليهود غير معيني الجنسية من العاملين في الشركات. لكنه لم يغلق الباب أمام اليهود ، إذ ترك نسبة معينة ، أقل من النصف لغير المصريين أي للأجانب.
ثم تشير المحاضرة إلي بعض أمثلة ازدهار اليهود علمياً وثقافياً في مصر، ابتداء من العهد الاغريقي . وتذكر أن فيلو الإسكندري اليهودي ترجم الإنجيل إلي اللغة اليونانية في القرن الميلادى الأول. وأن تأثيره كفيلسوف كان كبيراً لا على الفلسفة اليهودية وحدها وإنما على الفلسفة الهيلينية أيضاً.
ومن هؤلاء الذين تذكرهم المحاضرة سعادياً هاجاءون ( 892- 942) ( سعيد الفيومي في المراجع العربية) الذي ولد في الفيوم، وميمونيدس ( 1135- 1204) أو ابن ميمون ، الذي جاء مصر من أسبانيا. وقد ترجم سعادياً الإنجيل إلي العربية ( أول ترجمة) وألف في الفلسفة والنحو، وألف ابن ميمون معظم كتبه في مصر بالعربية.
وترد المحاضرة هذا التفوق والازدهار إلي عبقرية خاصة باليهود أنفسهم لكن على شلش يرجعه إلي ما لاقاه اليهود في مصر من تسامح وفرص ازدهار على نحو لم يحدث في أي بلد آخر خلال العصور الوسطى.
كذلك ينفي تعرضهم للمتاعب مع " مجئ الحركة الوطنية الجديدة" والتي تشير بها المحاضرة إلي ثورة عرابي ، ويقول على شلش أنه لم يحدث خلال هذه الثورة أن اضطهد أي يهودي ، ولكن عدداً كبيراً من الأجانب غادر مصر حين حاصر الأسطول الانجليزي الإسكندرية وكان من بينهم يهود كثيرون. ومع ذلك عاد الجميع بعد استقرار الاحتلال البريطاني.
أما عن توجه اليهود إلي الثقافة الأوروبية لم يكن نتيجة رفض مصر منحهم الجنسية كما تقول المحاضرة ، وإنما كان في الحقيقة تعبيراً عن مصلحة مادية بعد " افتتاح قناة السويس سنة 1869 وإقامة شبكة مدارس الليسيه الفرنسية في مصر، بهدف تخريج الإدرايين والموظفين لشركة القناة وغيرها من المصالح الفرنسية . ثم جاءت مدارس التحالف الإسرائيلي " فتحالفت مع مدارس" التحالف الدولي الفرنسي" فأصبحت الفرنسية اللغة الأم عند يهود مصر واللغة الأولى فى لمدارس اليهودية ، في حين أصبحت الانجليزية لغة ثانية تليها العبرية فالعربية. ثم ازداد إقبال اليهود على المدارس الانجليزية والأمريكية، مما ساعد في النهاية على نشر الثقافة الغربية بين اليهود. ونشأتهم في احضانها. وفي الوقت نفسه ساعدت على انتشار هذه الثقافة في مصر دور العرض السينمائية الامريكية ، والفرق المسرحية والموسيقية والأوبرا الزائرة ونشات الصحف اليهودية في مصر بتأثير لغة فرنسا وثقافتها".
ويضيف على شلش إلي ذلك قوله:
" إن تعلق اليهود بالغرب جاء تعبيراً عن مصلحة مادية في الحقيقة ، لأن مصر نفسها كانت تحت سيطرة الغرب، ابتداءً من عهد الخديو إسماعيل، وكان لابد من تعلق اليهود بأصحاب النفوذ أو السيطرة . فإذا اضفنا إلي هذا عامل الهجرة اليهودية الأوروبية إلي مصر منذ الاحتلال البريطاني في (1882) يصبح التعلق بأوروبا منطقياً، لأن هذه الهجرة اليهودية أوربية الثقافة والتكوين. فإذا اضفنا أيضاً عامل استمرار اتصال افراد هذه الهجرة بأوروبا في التجارة والبنوك، لم يعد أمامنا ما يشكك في التعلق اليهودي بأوروبا.
ثم يخصص الدكتور على شلش الجزء الأكبر من كتابه للإجابة عن سؤالين هما:
1- هل حقق اليهود شيئاً من الازدهار خلال تجربتهم الحديثة في مصر، أي في الفترة من بداية القرن التاسع عشر حتى سنة ( 1948) ؟
2- هل انطلقوا في مجالات الإداع المختلفة خلال هذه التجربة مثلما انطلقوا في الاندلس والمغرب قديماً، وألمانيا والنمسا وأمريكا حديثاً؟
وفي بحثه للإجابة على هذين السؤالين يتعرض الباحث للكتابات التي تناولت هذا الموضوع مثل:
• اليهود والحركة اليهودية الصهيونية في مصر " صدر عن دار الهلال بالقاهرة (1969) من تأليف أحمد غنيم وأحمد أبو كف".
• " الصحافة الصهيونية في مصر " من تأليف عواطف عبد الرحمن صدر بالقاهرة (1980).
• " اليهود المصريون صحفهم ومجلاتهم" من تأليف سهام نصار ظهر في القاهرة (1981).
وهذه الكتب يغلب عليها الطابع السياسي كما يقول على شلش. وفيما عدا ذلك لا يوجد إلا عدد من المقالات المتناثرة وفصل صغير في كتيب صدر بالعربية والانجليزية عن مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت سنة 1971 بعنوان " يهود البلاد العربية" من تأليف على إبراهيم عبده ، وخيرية قاسية.
ورغم أن على شلش يتفق مع ما يقوله يعقوب لانداو أن دراسة المجتمع اليهودي في مصر الحديثة، تعد من المناطق البحثية شديدة الإهمال، إلا أنه يشير إلي بعض الجهود التي تحققت في هذا المضار ، وأهمها ما قام به محامى يهودي صهيوني متحمس عاش في مصر هو موريس فرجون. فقد ألف كتابين بالفرنسية عن تاريخ اليهود في مصر أحدهما بعنوان " اليهود في مصر منذ أصولهم الأولى حتى اليوم" وقد ظهر في القاهرة (1938) والأخر بعنوان " العلاقات بين المصريين واليهود "ظهر في الإسكندرية سنة (1939) باسم مستعار هو " توفيق سليمان أبو هيف" كشف لاندو عنه وكانت المحاولة الثانية ليهودي مصري آخر هو نوري فارحي الذي ألف كتاباً بالفرنسية بعنوان " الطائفة اليهودية في الإسكندرية" ظهر في الإسكندرية سنة (1946) وحفظ مع الكتابين السابقين صفحات مهمة من تاريخ اليهود في مصر الحديثة.
ويلاحظ الدكتور على شلش أن هذه الكتب قد امتلأت بالمبالغات في تقدير دور اليهود، في الحركة الوطنية وخدمة الشعب المصري، وكذلك امتلأت بالأخطاء في تسجيل الوقائع التاريخية على نحو يصعب حصره. ولكنه يكتفي بذكر مثلين لهذه الأخطاء:
أما الخطأ الأول الذي نقلته سهام نصار وعواطف عبد الرحمن دون تحقيق أو مراجعة يتلخص في أن يوسف اصلان قطاوي باشاً، كان وزيراً للمالية في وزارة سعد زغلول سنة (1924) والصواب أنه كان وزيراً في وزارة أحمد زيور التي خلفت وزارة سعد زغلول في نوفمبر 1924.
وأما الخطأ الثاني الذى نقلته المؤلفتان السابقتان أيضاً، يتلخص في أن المحامي اليهودي الصهيوني ليون كاسترو " كان صديقاً شخصياً لسعد زغلول ، ورافقه في مفاوضاته في لندن ، وقام بمهمة المتحدث الرسمي لحزب الوفد في أوروبا، ثم عاد إلي مصر ليبدأ عن طريق صحيفته اليومية الوفدية الناطقة بالفرنسية (الحرية) حملة ضد بريطانيا من أجل الاستقلال.
ويصحح على شلش هذا الخطأ بقوله إن كاسترو لم يكن صديقاً شخصياً لسعد زغلول أو ناطقاً باسم الوفد في أوروبا ، ولكنه كان ممن استعان بهم سعد في مهامه الخارجية ووكل إليهم شئون الترجمة من العربية إلي الفرنسية.
بالإضافة إلي ما سبق الإشارة إليه ، هناك فصل عن اليهود في كتاب لانداو " التغير السياسي والاجتماعي في مصر الحديثة "الذي صدر عام (1968) ويلاحظ على شلش أن هذه الكتابات العربية واليهودية لم تعالج تجربة اليهود في مصر معالجة تاريخية دقيقة أو شاملة . ولكنها تشجع الباحث دون قصد منها على افتراض ازدهار اليهود وانطلاقهم في شتى المجالات في مصر الحديثة.
ويقتضي إثبات هذا دراسة الموقف الرسمي والموقف الشعبي من اليهود في مصر. فماذا كان الموقف الرسمي من اليهود في ظل حكم أسرة محمد على؟
يقول على شلش " يجب أن نلاحظ أولاً أن حكام هذه الأسرة حتى الخديوي توفيق، كانوا من ذوي الإرادة المطلقة في حكم البلاد، أي كانوا حكاماً مستبدين بمعنى أوضح، ولكن ابتداء من الخديوي توفيق حتى الملك فاروق، تغير الوضع وأصبحوا حكاماً مستبدين بالمشاركة، وكان الشريك الذي لا يرد له طلب هو المعتمد او المقيم أو السفير البريطاني. ثم يوضح الباحث أن محمد على لم يمنع استخدام غير المصريين أو غير الترك بوجه عام. وقد خفف عن اليهود الضرائب والجزية التي فرضها المماليك والعثمانيين، واستعان بهم في الوظائف العامة، وشجع ذلك كثيراً من يهود اليونان وشرق أوروبا على الهجرة إلى مصر. وكما يقول كوهين : إن محمد على أسس محاكم مدنية ومكن اليهود من التفاضي أمامها.
ثم يضيف على شلش قوله إنه لم يظهر في الدساتير أو في قوانين المطبوعات أو في التشريعات المدنية والتجارية ما يشير إلي أي تغيير سلبي في الموقف الرسمي من اليهود حتى (1947) الذي أصدر فيه النقراشي قانون الشركات. ولم يكن القانون موجهاً ضد اليهود وإنما كان موجهاً ضد الأجانب بوجه عام.
أما عن حرية العبادة والتعبير والتعليم فقد كفلتها الدولة لهم طيلة هذه المدة إذ وصل عدد المعابد اليهودية في القاهرة والإسكندرية والمدن الأخرى (60) معبداً والصحف (50) صحيفة ومجلة بين (1877 – 1948) كان معظمها بالعربية وكان بعضها منابر صريحة للصهيونية . وفي ميدان التعليم كانت هناك مدارس التحالف الإسرائيلي بالإضافة إلي الكتاتيب والمدارس اليهودية الأخرى.
ولم يعرف عن أسرة محمد علي أن أحداً منهم عادي اليهود ، بل يذكر أن عباس الأول قرب يعقوب قطاوي إليه وعينه كبيراً للصيارفة، وأن خلفه سعيد احتفظ له بوظيفته وكذلك إسماعيل الذي قرب إليه عدد أكبر من اليهود واستعان بهم في مفاوضات الحصول على القروض الأجنبية من البيوت المالية اليهودية في أوروبا، مثل بيت أوبنهايم وروتشيلد.
لم يعرف عن أي رئيس وزراء على مدى حكم أسرة محمد على أي عداء لليهود، ولكن عرف عن بعضهم العطف لليهود، ولا سيما مصطفى النحاس ، واسماعيل صدقي، وحسين سري، ومن المعروف أن صدقي وسري كانا عضوين ببعض مجالس إدارات شركات أجنبية ويهودية في مصر . وفي (1925) اعتقل صدقي الوطنيين الفلسطينيين الذين تظاهروا في القاهرة ضد وعد ( بلفور) وهو في طريقه إلي فلسطين لحضور افتتاح الجامعة العبرية بالقدس.
أما حزب الوفد أو حزب الأغلبية ، الشريك الثالث في الحكم ، فقد كان يضم أغلبية العاملين في الحركة الوطنية. وكانت شخصية سعد تحظى باحترام المسلمين والأقباط واليهود على السواء ولم يتغير الموقف بعد وفاة سعد زغلول وتولى النحاس. ولم يعرف عن قادة الحزب أي عداء لليهود حرصاً على الوحدة الوطنية.
الموقف الشعبي:
كان الموقف الشعبي يلتقي مع الموقف الرسمي، وكما يقول على شلش لم يذكر أحد من المؤرخين أو الرحالة اليهود خلال القرن الماضي شيئاً يمس اليهود فى معاملة الأهالي المصريين ، مسلمين أو أقباط لهم، واتفق الجميع على أن اليهود عاشوا في حرية وأمان، دون تمييز أو تفرقة ومع ذلك أشار أكثر من مؤرخ وكاتب يهودي إلي مجموعة من حوادث الاعتداء على اليهود خلال ذلك القرن، انتقاماً مما سمي " شعيرة الدم" وكانت تتم بتحريض من اليونانيين أو الشوام.
لكن بدأ العداء في الظهور منذ عام (1938) من جانب جماعة على علوبة التي كانت تدعو إلي مقاطعة اليهود وتتهمهم بجمع المال لمساعدة الصهاينة في فلسطين، وكانت تضع القنابل في معابدهم ملفوفة بالتحذيرات.
وقد ازدادت خطورة كراهية اليهود أواخر (1945) حين وقعت حوادث شغب وهجوم على حارة اليهود وأحد المستشفيات ودار للمسنين، وتخريب للمحلات التجارية بهدف تحذير اليهود من الصهيونية.
يتهم كوهين حزب مصر الفتاة بتدبير هذه الحوادث ،ولكن الرافعي يتهم الإخوان المسلمين ويحملهم مسئولية هذه الحوادث. ويتفق على شلش مع الرافعي في هذا، ولكنه يقول إنها كانت ردود فعل لتفاقم الأوضاع في فلسطين، واستعمال نشاط المنظمات الصهيونية في مصر ، وسط ما كان يبدو للشباب أنه تواطؤ من جانب الحكم مع الانجليز والصهيونية. وقد أخذ الوضع في التدهور منذ قيام إسرائيل حتى اليوم، على الرغم من اتفاقيات كامب دافيد التي عقدها بيجين والسادات عام (1977) وما ترتب عليها من تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
وكان من أبرز مظاهر التدهور في وضع اليهود بمصر هو الهجرة اليهودية المستمرة منذ (1948) وقد تحسن وضع اليهود من (1949 – 1954) إذ أطلق سراح عشرات ممن سجنوا في مايو (1948) واعيدت إليهم ممتلكاتهم وصرح لهم بالسفر وجدد اليهود الباقون نشاطهم الاقتصادي وأعادوا فتح مدارسهم .ولم يحدث أي تغيير بقيام ثورة يوليو وكان اللواء نجيب ودوداً مع اليهود، ولم يغادر البلاد إلا قلة قليلة منهم.
أما فترة تولي عبد الناصر للسلطة في مصر ويسميها كوهين " بداية الزمن العصيب بالنسبة لليهود" فخلال أشهر قليلة تم اعتقال العشرات واتهم كثيرون بالتجسس لحساب إسرائيل : وفي ديسمبر (1954) صدر حكم على اثنين منهم ونفذ فيهما حكم الإعدام ( 1955) بالرغم من محاولات التدخل. ومنذ ذلك التاريخ ازداد عدد المطبوعات المعادية لليهود في مصر. بل قام بتوزيع بعضها الناشرون التابعون للحكومة ومن بين هذه المطبوعات الترجمة العربية لكتاب " بروتوكولات حكماء صهيون"
وفي الرد على هذا، يورد الدكتور علي شلش تصريحاً له مغزاه، ففي ( 18 ديسمبر 1956) عقب العدوان الثلاثي نشرت " الأهرام" تصريحاً لمحمد عبد القادر حاتم، رئيس الاستعلامات وقتها جاء فيه : إن عدد اليهود في مصر يبلغ سبعة ألاف بغير جنسية عدا (35) ألفاً يحملون الجنسية المصرية لم يبعد منهم أحد. ولكن الحكومة طلبت إلي (280) شخصاً مغادرة البلاد. وقد غادرها (26) شخصاً ومعنى هذا أن عدد اليهود الإجمالي وقتها كان نحو (42) ألفاً ، وإذا أخذنا عدد حاملي الجنسية المصرية، فإننا نجد أنه يزيد على (50%) من إجمالي عدد اليهود في تعداد (1947) أي أن دعوى الكتابات الإسرائيلية بأن عدد حاملي الجنسية المصرية من اليهود كانوا خمسة فى المائة (5%) تصبح دعوى باطلة ولا أساس لها.
لقد قامت ثورة (1952) كرد فعل لقيام إسرائيل وطردت الملك والغت الأحزاب وانتهى الاحتلال. وبذلك فقد اليهود سنداً كبيراً واهتزت الأرض التي يقفون عليها.
ولم يكن جمال عبد الناصر يعادي اليهود ولكن كراهية اليهود الشديدة له سببها أن حكم عبد الناصر قد مسهم بالكثير من الخسائر ، لا لأنه كان يعاديهم شخصياً وإنما لأنهم وقعوا ضمن من وقعوا من المصريين الآخرين – فريسة لسياسات التأميم والحراسة التي طبقت في عهده. وكما يقول على شلش لم تذكر الدوائر الأمريكية ولا اليهودية التي ترددت على مصر في عهده اي حادثة عن اضطهاد اليهود. ولكن من الواضح أن عبد الناصر قد غير موازين القوى بين يهود مصر وسلطاتها تغييراً جذرياً فلم يعودوا مقربين للسلطات مثلما اعتادوا في الماضي. ولم تعد السلطات تميز بين اليهودي وغيره أو تفضله عن غيره.
ومنذ أن تولى السادات الحكم (1970) بدأ عهداً جديداً مختلفاً، وقد ساهمت سياسة الانفتاح والصلح مع إسرائيل في خلق أرضية جديدة لليهود مماثلة لما كنوا عليه قبل (1952) ولكن فراغ البلاد منهم قضى على فرصتهم في الازدهار، وإن كان لم يقضي على ترددهم المستمر ومجيئهم على هيئة رجال أعمال وممولين، يحملون جنسيات أخرى.
وإذا كان هذا الموقف قد استمر بعد السادات، فلا شك أنه كان مرتبطاً في الأساس باتفاقات كامب ديفيد ولكن من الملاحظ بشكل عام أن الموقف الرسمي من يهود مصر منذ إعلان إسرائيل لم يتغير تغييراً جذرياً مثلما تغيرت ظروف البلاد واحوالها الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك نلاحظ أن موقف المثقفين في مصر قد بدأ يتغير تجاه إسرائيل لا تجاه اليهود. وبدأ التيار الذي يفرق بين اليهودية والصهيونية في السيادة داخل مجال الفكر والثقافة.
ا/ا التجربة الماسونية فى مصر فلها حديث قادم