بقلم الأب يسطس الأورشليمى
" وَرَأَى حُلْماً وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ." (تك 28 :6-13).
وبمقارنة هذه الرؤيا بقول الرب يسوع: «الحق الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان» (يو1: 51)، نجد أن الرب يسوع يعكس هنا في الحقيقة التفسير المجازي النموذجي للسلّم؛ ففي رؤيا يعقوب وجدنا أن الرب كان واقفًا على قمة السلّم، في حين أنه في قول الرب يسوع نجد أن الرب كان واقفًا أسفل السلّم وهو يصف صعود الملائكة ونزولها عليه، وهذا هو معنى التجسُّد: فإن كلمة الله يضع نفسه لكي يسكن بيننا (يو1: 14).
كان السلم رمزًا للسيدة العذراء الذي استخدمه الله لينزل من السماء من طبيعته اللاهوتية، ثم بعد ذلك أصعد طبيعتنا البشرية الساقطة إلى السماء عندما فتح لنا باب الفردوس، وأعطانا الملكوت "لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ، لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أنْ يُعطيَكُمُ الملكوتَ" (لو12: 32).
العذراء هي الواسطة التي جعلت هناك علاقة بين السماء والأرض وبقدسيتها استحقت أن تلد الرب يسوع الوسيط بين الله والناس.
وفي ثيؤطوكية الثلاثاء نقول "أنت هي السلّم الذي رآه يعقوب ثابت على الأرض ومرتفع إلى السماء والملائكة نازلون عليه"، لقد صوّر يعقوب العذراء بالسلّم الذي رآه في بيت إيل وهو نائم، ودعاه مكان الله وبيته (تك 28: 10-19). وقد شُبهت بالسلّم لأنّه بها ارتفع جنس البشر إلى السماء.
وفي صورة جميلة أخرى، يرى أحد الآباء "مريم واقفة عند باب السماء، تمسك الصليب بيدها، وتستحلف ابنها قائلة: بحق الخشبة التي حملتك في أورشليم، والمسامير التي في يديك ورجليك، والحربة التي فتحت جنبك على قمة العود، اصرف ضربة الغضب عن الكنيسة وأبنائها، وأحل أمنك فيها". هذا ما حدا بعضهم إلى تسمية مريم بـ "باب السماء" (تك 28: 17).
ورغم أن كتابات الآباء لا تذكر أن سلم يعقوب يشير إلى السيدة العذراء؛ إلاّ أن تسابيح كنيستنا تذكر ذلك في عدة مواضع، وذلك بمعنى أنه بواسطة العذراء نزل الله إلى الأرض وتجسد، كما أن بعض النصوص الليتورجية تُشير إلى تشفُّع والدة الإله لأجل الكنيسة، فبواسطتها – وكأنها سلّم – يمكن للمؤمنين أن يتسلقوا صاعدين نحو الله، كما أنه تفسير للسلّم يذكِّر بسلّم الفضائل في الشروحات الآبائية لسلّم يعقوب.
السلم الذي رآه يعقوب يرمز إلى العذراء مريم التي حل الرب في بطنها فوصلت بين السماء والأرض بعد قطيعة طويلة، فقد كان التجسد بداية الصلح والاتصال بين الله والإنسان.
كانت الملائكة تسبح الرب وهو طفل مولود في حجر العذراء مريم كما يشهد بذلك لبش الثلاثاء قائلاً: " افرحي يا مريم العبدة والأم لأن الذي في حجرك تسبحه الملائكة، والشاروبيم تسجد له باستحقاق والسيرافيم بغير فتور، يرفرفون بأجنحتهم قائلين هذا هو ملك المجد رافع خطية العالم كعظيم رحمته.
أما تشبيه العذراء مريم بالسلم فيأتي في القطعة الثامنة من ثيؤطوكية السبت هكذا: "شبهت بالسلّم الذي رآه يعقوب مرتفعًا إلى السماء والرب المخوف عليه".
تهلل يعقوب أيضًا عندما رأى من بعيد بعين النبوءة مجيء شيلون (أي ابن الله الحي) من نسل ابنه المحبوب يهوذا قائلًا: " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب (تك 49: 10)"، ومعروف أن العذراء مريم والدة (شيلون) هي من نسل يهوذا بن يعقوب، والحكيم يقول " تاج الشيوخ بنو البنين"( أم 27 : 6 ).