جيهان ثابت
في صباح حار من أغسطس 2025، كانت قاعة الاجتماعات في القاهرة تزدحم برجال في بدلات رسمية، وأوراق بيضاء تتكدس على الطاولات، وأكواب القهوة تتبخر منها رائحة الصباح.
على الجانب الآخر من الطاولة جلس وفد إسرائيلي، بملفات مليئة بالأرقام والخرائط، يتحدثون عن الغاز، عن أنابيب البحر، وعن مليارات الدولارات التي ستتدفق على مدى 14 عامًا.
خارج تلك القاعة، كانت شوارع القاهرة تغلي بأخبار الحرب في غزة. الشاشات في المقاهي تعرض صورًا للدمار، ووزير الخارجية المصري يصرح من منصة الأمم المتحدة:
"مصر ترفض تمامًا سياسات التهجير القسري في غزة، وتعتبرها خرقًا صارخًا للقانون الدولي."
ومع ذلك، في تلك الغرفة المغلقة، كانت الأقلام توقّع على عقد هو الأكبر من نوعه بين البلدين: 35 مليار دولار مقابل 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي، يُنقل عبر خطوط قائمة، ويُسيّل في محطات إدكو ودمياط، ثم يُعاد بيعه للعالم.
كيف يجتمع النقيضان؟
هنا يظهر الوجه الآخر للعلاقات بين الدول:
السياسة تسير على مسار علني، مليء بالتصريحات والمواقف المبدئية.
الاقتصاد يسير على مسار آخر، صامت، لكنه لا يتوقف، لأنه يتغذى على لغة المصالح.
في القاعة، كان المفاوض المصري يقول في نفسه:
"قد نختلف في السياسة، لكننا لا نختلف على أن بلدنا تحتاج الطاقة والعملات الصعبة."
أما المفاوض الإسرائيلي، فربما كان يفكر:
"قد نتصارع في الإعلام، لكن الغاز الذي نبيعه اليوم سيغذي اقتصادنا لسنوات."
وعندما خرج الوفدان من القاعة، لم تُرفع الأعلام، ولم تُلتقط الصور التذكارية، وكأن الصفقة تريد أن تمشي في الظل، بعيدًا عن صخب الشارع.
لكن الحقيقة التي يعرفها الطرفان هي أن خيط المصالح الاقتصادية أحيانًا أقوى من كل حبال السياسة.