أحمد الخميسي 
شقت جريدة الأهرام عامها المئة والخمسين في 5 أغسطس الجاري. وقد بدأت علاقتي بالأهرام مبكرا، منذ أن شرعت في قراءة ملحق الجمعة الأدبي، خاصة القصص والقصائد. لكن أهرام الجمعة كانت تختفي من عند الباعة والأكشاك في التاسعة صباحا، ولم أكن ألحق بشرائها يوم الجمعة لأنه يوم إجازتي من المدرسة أنام فيه طويلا، لذلك كنت أستجمع شجاعتي وأصعد إلى عمي الشاعر " صلاح جاهين" الذي كان يسكن معنا في نفس العمارة في الطابق الرابع، وأعلى منه بطابق كان يسكن الشاعر صلاح عبد الصبور! أطرق باب عم جاهين الشاعر الكبير بخجل، فإذا تصادف وفتح هو فإنه يقف يمعن النظر إلى ويسألني وهو يعرف لماذا جئت:" عاوز إيه ؟". أتمتم: " الملحق يا عم صلاح". يتصنع الغضب والصياح:" يا ابني عيب. أبوك صحفي.
 
اشتركوا في الجريدة"! ثم يمضي للداخل ويعود ويمد يده إلى بالملحق ضاحكا. وقد عشقت الشعر بفضل رباعيات صلاح جاهين في الملحق الأدبي، وفيما بعد عندما بدأنا  الكتابة الأدبية أعجب دكتور لويس عوض بقصة لأحد زملائنا أحمد هاشم الشريف، قصة اللصوص، وقرر نشرها في ملحق الجمعة الأدبي، ورأينا القصة بالفعل لكن من دون اسم المؤلف!! وتبين أن السبب أن الأهرام لا تنشر إلا لكبار الكتاب، فكيف تنشر فجأة لشاب لم يسمع أحد عنه من قبل؟!. الأهرام أكبر من أن تكون جريدة، لأنها تمثل باستمرارها جزءا من استمرار الشعب المصري، رغم الغزوات، والنكسات، والانتصارات، وقد سمح الخديو اسماعيل بإصدارها بشرط " عدم التعرض للمسائل السياسية "، وخرج العدد " صفر" أو النسخة التجريبية منها في 15 يوليو 1876 وجاء فيه أنها تصدر يوم السبت من كل أسبوع وأنها:   "سياسية وعلمية وتجارية تستقصي عن الأخبار الصادقة ولا تترك خبرا مفيدا سواء كان برقيا أو بغير واسطة دون أن تحواه ليكون نفعها عموميا".
 
وخرج عددها الأول للنور في 5 أغسطس، ولم تتوقف على مدى قرن ونصف لتكون باستمرارها " ديوان الحياة المعاصرة" كما وصفها بحق طه حسين في مقال له عام 1951 بمناسبة احتفال الأهرام بمرور 75 عاما على وجودها، أما أول جريدة عربية فهي الوقائع المصرية الصادرة عام1828، تلتها " حديقة الأخبار" التي أصدرها خليل الخوري في لبنان 1858.
 
لكن عظمة الأهرام في استمرارها، في أنها لم تتوقف ورافقت رغم طابعها الرسمي مسيرة تطور حياة الشعب المصري، فأصبحت كما قال طه حسين: " صحيفة تحمل على ظهرها تاريخًا سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، فشمولها للأحداث جعلها ديوانًا للأحداث بلغة عصرها وانفعالاته واهتماماته". وتبقى الأهرام باستمرارها رمزا من رموز حياتنا الثقافية، صرحا شامخا، لا يمكن النظر إليه من دون الشعور بالاعتزاز.