بقلم : جميل دياربكرلي 
باحث مختص بشؤون المسيحيين في الشرق الأوسط 


تكشف أزمة السويداء الراهنة، التي تتشابك خيوطها مع أحداث سابقة في الساحل وتفجير الكنيسة، حقيقة مؤلمة لطالما حاول البعض إخفاءها وراء ستار رقيق من الادعاءات الوردية: سوريا تفتقر لهوية وطنية جامعة حقيقية، وبنيتها المجتمعية تعاني من تصدعات عميقة تتسع مع كل أزمة. لم تعد الصورة النمطية لتعانق الهلال والصليب، أو الأكراد والعرب والآشوريين، تحمل أي مصداقية في ظل ما نراه من شيطنة متبادلة وتفتت مستمر بين مكونات المجتمع، وهو واقع حقيقي لا يتفق مع الصورة الوردية التي يحاول البعض رسمها عن علاقة عشق بين المكونات. 

لقد بات من الواضح أن "مهزلة الحوار الوطني" التي دعت إليها "سلطة القضاء والقدر"  كان يفترض أن تكون منقذاً بعد سقوط نظام الأسد، تظهر نتائجها الكارثية اليوم. فالسلطة الحالية، التي تسلمت زمام الأمور وكانت لديها فرصة تاريخية لبناء دولة حقيقية، تستمر في انتهاج عقلية الميليشيات والتنظيمات الراديكالية التي خرجت من رحمها. إن من في سلطة اليوم يمارسون ذات أساليب نظام الأسد، وبدا ذلك واضحاً بشدة منذ الأيام الأولى لتسليمهم الحكم، فهم لا يتصرفون كرجال دولة، بل كميليشيات تفتقر إلى أي رؤية وطنية شاملة، وتواصل ممارسة ذات أساليب النظام السابق في المؤامرة والتحريض. 

كانت مشكلة السويداء قابلة للحل لو أن السلطة أبدت أدنى رغبة في ذلك. لو حاولت فتح قنوات حقيقية للتواصل مع الشيخ الهجري الرئيس الروحي للموحدين الدروز، والاستماع إلى مطالبهم المشروعة، وتقديم تطمينات حقيقية بشأن مخاوفهم الناتجة عن تجربتهم المريرة مع هذه السلطة في إدلب، لكان الوضع مختلفاً تماماً. بدلاً من كل ذلك، بدأوا يوجهون شبيحتهم بشتم الهجري والدروز، تمامًا كما فعلوا سابقًا مع المسيحيين ومن قبل العلويين. هذا النهج التحريضي لا يبني وطنًا، بل يهدم ما تبقى منه. 

إن الأوان قد حان ليتوقفوا عن هذا النهج الهدام. اذهبوا والتقوا بهم، كفوا عن التعرض لكرامتهم، وكفاكم انتهاج نهج الأسد في المؤامرة. 

ختاماً، لا يمكن رأب الصدع الكبير الذي كشفته أزمة الدروز بين السوريين إلا بغطاء دولي حقيقي يرعى حواراً سورياً-سورياً نابعاً من إرادة وطنية حرة. حوار يتمخض عنه دستور يعبر عن تطلعات جميع السوريين، ويؤسس لهوية وطنية جامعة لكل القوميات والأديان في سوريا. هذا هو السبيل الوحيد لإعادة بناء ما تهدم، وتضميد الجراح العميقة التي تعاني منها البلاد. 

وللممتعضين من دفاع إسرائيل عن الدروز، أو بالأحرى تدخل دروز إسرائيل لصالح إخوانهم في سوريا، نقول: عندما يصل السكين إلى العظم ولا يجد الإنسان ما يحمي أبناءه، فإنه سيضع يده بيد الشيطان حتى، وليس إسرائيل فقط. اخجلوا على أنفسكم لأنه لو في سوريا دولة تحترم ذاتها وتدافع عن شعبها، لما كانت تركت مواطنيها يستجدون الحماية من الخارج. ولا تنسوا أنكم تحالفتم مع كل تتار الأرض وجلبتموهم لسوريا، واليوم تريدون توطينهم في البلاد بعد أن لفظتهم دولهم وارتاحت من إرهابهم. للأسف، أنتم تحاولون جعل سوريا سلة مهملات ومزبلة للتاريخ، بعد أن كانت قبلة للتنوع وقبول الآخر، ونموذجاً للعيش المشترك بين الأديان والقوميات.