جيهان ثابت
في قلب ميدان رمسيس بالقاهرة، ظل مبنى هندسة السكة الحديد شاهدًا على أكثر من قرن من التاريخ المعماري المصري الحديث. بُني المبنى في الفترة بين 1908 و1910، على الطراز الأوروبي المميز لتلك الحقبة، ليكون مقرًّا لإدارة أعمال السكة الحديد. واجهته الأنيقة ونوافذه المقوّسة وزخارفه الكلاسيكية جعلته أحد معالم القاهرة التراثية المسجّلة رسميًا ضمن قائمة المباني ذات الطراز المعماري المتميز.
لكن، وبالرغم من قيمته التاريخية والمعمارية، شهد عام 2024 مفاجأة صادمة لعشاق التراث: فقد تم حذف المبنى من السجل الرسمي للمباني التراثية بقرار رسمي، ما أزال عنه الحماية القانونية التي تمنع هدمه. هذا الإجراء كان خطوة تمهيدية لتنفيذ مشروع تطوير ميدان رمسيس، الذي يشمل توسعة كوبري 6 أكتوبر وبناء موقف سيارات متعدد الطوابق، وهي أعمال اعتُبرت ذات "أولوية تنموية" على حساب الحفاظ على المبنى.
وبحسب تصريح المهندس يحيى الزيني، مؤسس ديوان المعماريين، في مقابلة مع منصة "منصة"، فإن المبنى كان مسجّلًا وفق القانون رقم 144 لسنة 2006 الخاص بحماية المباني ذات الطراز المعماري المتميز، لكن تم حذفه من السجل في مايو 2024، وهو ما اعتبره خطوة واضحة لتمهيد هدمه ضمن خطة التطوير.
عمليات الإزالة بدأت وسط انقسام مجتمعي واضح؛ فبينما عبّر عدد من المهندسين والمؤرخين عن أسفهم لفقدان معلم معماري عمره أكثر من 115 عامًا، اعتبر آخرون – ومن بينهم رجال أعمال معروفون – أن المبنى لم يعد صالحًا للاستخدام ولا يرقى لاعتباره أثرًا حقيقيًا، مشيرين إلى تدهور حالته الهيكلية.
رحيل مبنى هندسة السكة الحديد يفتح باب النقاش مجددًا حول التوازن بين التطوير العمراني وحماية التراث. فالقاهرة، التي شهدت على مدار تاريخها هدم العديد من مبانيها التاريخية لصالح مشروعات الطرق والكباري، تواجه اليوم تحديًا أكبر في الحفاظ على هويتها المعمارية وسط سباق التوسع والتحديث.
قد لا يتبقى من مبنى هندسة السكة الحديد سوى الصور وذكريات أولئك الذين اعتادوا مشاهدته في ميدان رمسيس، لكنه يبقى شاهداً بارزاً على الصراع بين الحفاظ على الإرث المعماري وبين موجات التطوير التي لا تترك شيئاً على حاله.