بقلم الأب يسطس الأورشليمى
لقد رأى حزقيال بابًا مغلقًا لم يفتحه إنسان، ولم يدخل منه أحد قط. "لأنَّ الرَّبَّ إلهَ إسرائيلَ دَخَلَ مِنهُ فيكونُ مُغلَقًا" (حز44: 2).
هذا الباب كان رمزًا لبتولية السيدة العذراء، فلم يعرفها رجل في حبلها للسيد المسيح، وفي ميلادها المعجزي لم يفتح هذا الباب بل ظلت بتوليتها محفوظة ومصانة، كما نقول في صلاة قسمة صوم الميلاد: "وبتوليتها مختومة"، فهي العذراء الدائمة البتولية مثل هذا الباب المغلق الذي لم يقترب إليه أي إنسان.
"ثُمَّ أرجَعَني إلى طريقِ بابِ المَقْدِسِ الخارِجِيِّ المُتَّجِهِ للْمَشْرِقِ وَهُوَ مُغلقٌ. فقالَ ليَ الربُّ هذا البابُ يكونُ مُغلقاً لا يُفتَحُ ولا يَدخُلُ منهُ إنسانٌ لأنَّ الربَّ إلهَ إسرائيلَ دَخَلَ منهُ فَيَكونُ مُغلَقاً. الرّئيسُ الرّئيسُ هُوَ يَجْلِسُ فيهِ ليأكُلَ خُبزاً أمامَ الربِّ. مِن طريقِ رِواقِ البابِ يدخُلُ وَمِنْ طريقِهِ يَخْرُجُ"(حز 44: 1ـ3).
إنّ حزقيال ابن الجلاء دعاها باباً مغلقاً، لأنّ هذا الباب لم يلجّه أحد سوى ربّنا وذلك ليخلّص الشعوب من الضلال، وفي هذا إشارة طبعاً إلى ولادة المسيح من العذراء بطريقة عجائبية، أي من دون أن يفضّ أختام بكارتها.
القديس جيروم: مع أن الباب كان مغلق، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت في الصخر الذي لم يرقد فيه من قبل ولا بعده، بتوليتها مثل الجنة المغلقة والينبوع المختوم (نش 4: 12).
إن مريم العذراء هي الباب الشرقي الذي تكلم عنه حزقيال، هو مغلق دائمًا، متلألئ دائمًا، وهو مختوم، وفي نفس الوقت يعلن عن قدس الأقداس، من خلاله يدخل ويخرج "شمس البر" (ملا 4: 2)، الذي هو رئيس كهنة على طقس ملكي صادق" (عب 5: 10)، من ينتقدني فليشرح لي كيف دخل يسوع خلال الأبواب المغلقة عندما سمح أن تُلمس يداه وجنبه مظهرًا أن له عظمًا ولحمًا (يو 10: 19، 27)، مبرهنًا أنه كان يحمل جسدًا حقيقيًا لا خياليًا، وعندئذ أوضح أنه كيف يمكن أن تكون القديسة مريم أمًا وعذراء في نفس الوقت.
أما ما يقال في ميلادها: " إن الذي ثبت السماوات بحكمة قد أنشأ بمحبته للبشر سماء حية". إنها فاقت كل مولود بهاء"، "هي وحدها الباب لابن الله الوحيد الذي اجتازه وحفظه مغلقًا"، "إن بها تقترن الأرضيات بالسماوات ". إنها التي سبق تحديدها أماً لإلهنا قبل تصويرها في الحشى.
كثيرًا ما تسمّى تسابيحنا الليتورجية والدة الإله "الباب"، أي باب الهيكل الذي رآه حزقيال النبي ناحية المشرق عندما كان مسبيًا مع شعب الله في بابل في رؤيته التي كشفت له عن هيكل بيت الله الذي سيبنيه شعبه بعد رجوعهم من السبي، فبعد أن قال له الرب إنه سيسكن في وسط شعبه إلى الأبد، جاء به إلى الباب المتجه إلى الشرق وقال عنه إنه يظل مغلقًا لأن الرب دخل منه: "حملني روح وأتى بي إلى الدار الداخلية، وإذا بمجد الرب قد ملأ البيت، وقال لي: يا ابن آدم، هذا مكان كرسيّ ومكان باطن قدميَّ؛ حيث أسكن وسط بني إسرائيل إلى الأبد، ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلَق. فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقًا لا يُفتَح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا" (حز43: 5-7؛ 44: 1و2).
ففي تسابيح كنيستنا نرتل قائلين: "حزقيال شهد وأظهر لنا هذا قائلاً: إني رأيتُ بابًا ناحية المشرق، الرب المخلِّص دخل فيه وبقى مغلقًا جيدًا بحاله" (إبصالية على ثيؤطوكية الأحد)، كما أن لُبش الأربعاء يبدأ بالقول: "حزقيال النبي يشهد قائلاً: إنني رأيتُ بابًا ناحية المشرق مختومًا بخاتم عجيب، ولم يدخل فيه أحد إلاّ رب القوات. دخل وخرج وبقى مختومًا على حاله، الباب هو العذراء التي ولدت مخلصنا، وقد بقيت عذراء بعد ولادته".
وهكذا فإن باب الهيكل الشرقي مخصصًا لدخول الرب، ودخوله من ناحية الشرق يمكن مقارنته مع بعض الإشارات إلى الشرق في العهد الجديد، فالمجوس مثلاً جاءوا من المشرق ورأوا نجم الرب في المشرق (مت2: 2)، وقد تعزّزت طبيعة الباب الشرقي المقدسة بالتوجيه الذي أُعطيَ للنبي، أن هذا الباب يكون مغلقًا لأن الرب دخل منه.
كما أن اعتبار والدة الإله أنها "باب" يجعلنا نلتقط هتاف يعقوب أب الآباء بعد رؤيته للسلم الصاعد إلى السماء: "ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلاّ بيت الله وهذا باب السماء" (تك28: 17). وبذلك فإن العذراء باعتبارها "باب"، فإن من خلالها يمكن للمؤمنين أن يقتربوا من الله سواء بواسطة تجسد الرب منها، أو بشفاعتها أمام الله عن الكنيسة.
وفي سفر النشيد يبدو أن سليمان يتنبّأ عن العذراء بقوله: "أختي العروس جنّة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم" (نش4: 12)، ولأن الباب مغلق، حسب نبوءة حزقيال، فقد قالت حبيبة الرب: "حبيبي مدّ يده من الكوّة فأنّت عليه أحشائي" (نش5: 4)، ولما دخل الحبيب من الباب وُلد كلمة الله من العذراء مريم لكي يصل إلى المحبوبة، أي الكنيسة، ومنها إلى البشرية كلها.
تنبأ حزقيال نبوءة واضحة عن سر تجسد ربنا يسوع المسيح في بطن العذراء مريم. بطريقة معجزية ثم ميلاده منها بطريقة أكثر إعجازًا، إذ دخل وخرج وبتوليتها مختومة، وقد شبه ذلك بباب مغلق دخل وخرج منه الرئيس وهو مغلق فيقول: " ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق. فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقًا لا يفتح ولا يدخل منه إنسان؛ لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا. الرئيس الرئيس هو يجلس فيه ليأكل خبزا أمام الرب " (حز 44: 1 – 3).