القمص يوحنا نصيف
    نتابع في هذا المقال حديث القدّيس كيرلّس الكبير، عن قصّة لقاء السيّد المسيح مع الصدّوقيّين الذين لا يؤمنون بالقيامة. وقد أكّد القدّيس كيرلّس في بداية عظته أنّ المسيح هو القيامة نفسها، وهو بِكر القائمين من الأموات، وأنّ القيامة هي رجاء العالم كلّه؛ ثمّ بدأ يعرض بعض نبوءات العهد القديم عن القيامة.

    نستكمل مقتطفات من باقي العظة في هذا المقال:
    + ويقول أيضًا داود المبارك في موضع ما في المزامير، عن كلّ ما على الأرض: "تَنزَع روحَهم فيموتون، وإلى ترابهم يعودون؛ تُرسِل روحك فيُخلَقون، وتجدِّد وجه الأرض" (مز103: 29س). هل تسمع أنّ نعمة الروح القدس العاملة والمُحيية سوف تُجَدِّد وجه الأرض، ويُقصَد بوجه الأرض جمالها. ويُفهَم بذلك أنّ جمال الطبيعة البشريّة سوف يكون على غير فساد، لأنّه مكتوبٌ: "يُزرَع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرَع في ضعف ويُقام في قوّة. يُزرَع في هوان ويُقام في مجد" (1كو15: 42-43).

    + ومرّة أخرى فإنّ النبيّ إشعياء يؤكِّد لنا أنّ الموت الذي دخل بسبب الخطيّة لا يحتفظ بقوّته على ساكني الأرض إلى الأبد، ولكنّه يتلاشى بقيامة المسيح من بين الأموات؛ وهو الذي يُجَدِّد العالم ويُعيد تشكيله إلى ما كان عليه في البداءة، كما هو مكتوبٌ: "لأنّ الله خلق جميع الأشياء لعدم فساد" (حكمة1: 14). فالنبيّ إشعياء يقول: "يَبلَع (الله) الموتَ بعد أن قَوِيَ جدًّا، ويَمسَح الربُّ الدموعَ عن كلّ الوجوه، وينزع عار الشعب عن كلّ الأرض" (إش25: 8س). والآن هو يُسَمِّي الخطيّة عار الشعب، وهذه عندما تُبطَل فإنّ الموت أيضًا يُبطَل معها، والفساد يتلاشى، وإذ يأتي به إلى نهاية، فإنّه ينزع الدموع من الجميع، والنوح أيضًا ينتهي، فلا يكون للناس سببٌ فيما بعد يجعلهم يبكون وينوحون.

    + دعنا نرى أيضًا ماذا قال المسيح لهم: أبناء هذا الدهر يُزَوِّجون ويُزَوَّجون، أمّا أولئك الذين عاشوا حياة كريمة ومختارة وممتلئة من كلّ سموّ، وقد حُسِبوا أهلاً أن يبلغوا قيامة مجيدة ورائعة، فهُم بالضرورة يرتفِعون فوق الحياة التي يحياها أبناء هذا الدهر، فإنّهم سيعيشون كما يليق بقدّيسين قريبين من الله، فهُم يكونون مثل الملائكة وهم أبناء الله.. يُكَمِّلون خدمة روحانيّة وليست مادّيّة، كما يليق بالأرواح المقدّسة، وفي نفس الوقت يكونون مستحقّين لمِثل هذا المجد الذي تتنعّم به الملائكة.

    + قد أظهَرَ المُخَلِّص أيضًا جهل الصدّوقيّين العظيم، بأن استشهد لهم بمعلّم أقداسهم "موسى"، الذي كان مُطَّلِعًا جَيِّدًا على أمر القيامة من الأموات. فإنّه يضع أمامنا الله الذي يقول من العلّيقة: "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" (خر3: 6). ولكن لِمَن يكون إلهًا إذا كان بحسبّ ادّعائهم أنّ هؤلاء لم يعودوا أحياء؟ فهو إله أحياء، لذلك فبالتأكيد –وبكلّ ما في الكلمة من معنى- سوف يقومون عندما تُقيمهم يمينه المقتدرة، وليس هم فقط، بل أيضًا جميع الذين على الأرض.

    + القوم الذين لا يؤمِنون بأنّ هذا سوف يحدث.. لا يستحقّون على الإطلاق (أن يُحسَبوا ضمن) أولئك الذين يُحِبون المسيح. أمّا نحن فنؤمن بالقائل: "أنا هو القيامة والحياة" (يو11: 25). لأنّه سوف يُقيم الأموات "في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير، فإنّه سيُبَوَّق، والأموات في المسيح سوف يقومون في عدم فساد، ونحن نتغيَّر" (1كو15: 52)، لأنّ المسيح مخلّصنا جميعًا سوف ينقلنا إلى عدم فساد، وإلى مجدٍ، وإلى حياةٍ غير مضمحلّة.

 [عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 136) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]

القمص يوحنا نصيف