بخصوص قيامة الأموات
1 / 2
القمص يوحنا نصيف
كان الصدّوقيّون أحد الطوائف اليهوديّة أيّام المسيح، الذين لهم إيمان مُشَوّه؛ فهُم لا يؤمنون بالقيامة ولا بوجود حياة أخرى ولا ملائكة ولا أرواح، ويؤمنون فقط بأسفار موسى الخمسة ككتب مقدّسة.. ومع ذلك كان لهم نفوذ قوي، ويحتكرون تقريبًا منصب رئيس الكهنة!
 
هؤلاء في إحدى المرّات جاءوا للمسيح المعلّم لكي يسخروا منه ومن تعليمه، فوضعوا أمامه مشكلة لكي يَحكُم فيها؛ وهي أنّه إذا كانت هناك امرأة قد تزوّجت -حسب الشريعة- بسبعة إخوة ماتوا على التوالي، لكي تقيم نسلاً، فعندما تقوم في الحياة الأخرى، كيف ستكون زوجة للسبعة؟!
  كان ردّ الربّ يسوع عليهم قويًّا وحاسِمًا، وكاشفًا لبعض أسرار الحياة السمائيّة كما جاء في (لو20: 27-38). ويُعَلِّق القدّيس كيرلّس الكبير على هذه القصّة بأسلوبه الجميل، فيقول:
 
 الجَهالة يصحَبها التهوُّر عادةً، وهي تؤدِّي بالناس إلى أن يُعَلِّقوا أهميّة كبرى على أوهامهم البائسة؛ وهكذا فإنّ أولئك الذين هم ضحايا لهذا الداء، عندهم فكرة عظيمة عن أنفسهم، ويتصوّرون أنّهم يملكون معرفةً لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها. ويبدو أنّهم قد نسوا قول سليمان: "لا تكُن حكيمًا في عيني نفسك" (أم3: 7).
 
ليس بالضرورة أن تكون آراؤنا صحيحة عن كلّ تعليم نعتقد به، إذ ربّما يحدث أن نحيد عن الطريق الصحيح فنخطئ.. ولكن أظنّ أنّه يجب أن نحبّ الحقّ ونسعى إليه باشتياق!
 
الصدُّوقيّون.. لا يعطون احترامًا لمثل هذه الأفكار.. حضر قومٌ منهم إلى المسيح مخلّصنا جميعًا -الذي هو الحياة والقيامة- وحاولوا أن يدحَضوا (عقيدة) القيامة من الأموات، ولأنّهم قومٌ ممتلئون بالخزي وغير مؤمنين، فإنّهم اخترعوا قصّة مُفعَمة بالجهالة ومملوءة بالافتراضات السخيفة، محاولين بخُبثٍ أن يلغوا رجاء العالم كلّه.
 
 إنّنا نؤكِّد أنّ رجاء العالم كلّه هو القيامة من الأموات، الذين صار المسيح هو البكر والباكورة بالنسبة لهم.. الحكيم بولس يقول: "إن كان المسيح قد قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة من الأموات؟" (2كو15: 12).. ولكن دعنا نفحص -إن أردتم- هذه الرواية المزيّفة، التي قد صاغوها بلا معنى.
 
تعالوا ودعونا نرى ماذا قالت جماعة الأنبياء القدّيسين بخصوص هذا الموضوع، وما هي التصريحات التي أعلنها ربّ الجنود بواسطتهم. إنّه يقول عن أولئك الراقدين: "مِن يد الهاوية أُخلِّصهم، من الموت أفديهم، أين قوّتك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية" (هو13: 14س).
 
 أمّا بخصوص المقصود بقوّة الموت وبشوكته أيضًا، فإنّ المبارك بولس قد عَلّمَه لنا بقوله: "أمّا شوكة الموت فهي الخطيّة، وقوّة الخطيّة هي الناموس" (1كو15: 56)، لأنّه يُقارِن الموت بالعقرب، الذي شوكته هي الخطيّة، لأنّه بسُمِّهِ يقتل النفس.. ولهذا السبب فإنّ المسيح أخرَجَ أولئك الذي يؤمنون به من تحت سيادة الناموس الذي يدين، وقد أَبطَل أيضًا شوكة الموت، أي الخطيّة؛ وإذ قد أبطَلَ الخطيّة، فإنّ الموت بالتالي -كنتيجة حتميّة- قد بَطُلَ، لأنّه نَتَج عنها، وبسببها دخل الموت إلى العالم.
 
 يقول لنا إشعياء النبيّ: "تَحيَا أمواتُكَ، وأولئك الذين في القبر سيقومون، والذين في الأرض سيبتهجون، لأنّ طلّك هو شفاءٌ لهم" (إش26: 19س). وأنا أعتقد أنّ النبيّ يقصد بالطلّ قوّة الروح القدس المُحيية، وذلك التأثير الذي يُلاشي الموت، لأنّه قوّة الله وقوّة الحياة.
 
[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 136) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]
(يُتَّبَع)