هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض. 
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط الدينية والثقافية، أدلى وزير الأوقاف المصري بتصريح مفاده أنه ينوي “أخذ مبادئ الكتاتيب إلى قداسة البابا تواضروس لتعليمها في الكنيسة”، في إشارة إلى منظومة القيم الأخلاقية والدينية التي تسعى الوزارة إلى ترسيخها من خلال الكتاتيب الحديثة.

ورغم أن النية الظاهرة قد تهدف إلى تعزيز منظومة القيم المشتركة، فإن طريقة عرض التصريح والمضامين التي حملها تعددت تفسيراتها بين قطاعات واسعة من المواطنين ، حيث اعتُبر التصريح استعلائيًا وغير موفق في سياقه وتوقيته، وجانَبه الصواب فيه خصوصًا عندما يمس مؤسسة دينية عريقة لها تاريخها الريادي في التعليم والتربية الدينية والإنسانية.

إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لها دور في التعليم: وتاريخ مشهود ، لطالما اضطلعت الكنيسة  بدور مركزي في نشر التعليم سواء الديني أو الإنساني، بين أبناءها من خلال “مدارس الأحد” التي تُعد من أبرز التجارب التربوية في مصر. هذه المدارس لا تكتفي بتعليم العقيدة، بل تزرع في نفوس النشء قيم الانتماء، والمحبة، والمواطنة، واحترام الآخر. كما أن الكنيسة ساهمت - عبر العصور - في تطوير العلوم الإنسانية والعلوم الدنيوية، وأسهمت في النهضة الفكرية والثقافية للمجتمع المصري.

من هذا المنطلق، فإن الخطاب الذي يفترض ضمنيًا وجود نقص في القيم أو في المناهج التعليمية داخل الكنيسة، قد يُفهم - ولو دون قصد - على أنه انتقاص من هذه التجربة الرائدة، ما أدى إلى ردود فعل تتراوح بين الاستياء والتساؤل عن الجدوى الحقيقية لمثل هذا الطرح.

إن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا هو: ما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها كتاتيب وزارة الأوقاف للكنيسة القبطية؟ وهل من المناسب أو الضروري أن تتدخل مؤسسة دينية في مناهج مؤسسة دينية أخرى، في دولة تسعى لترسيخ المواطنة والشراكة والتنوع؟

في السياق نفسه، فإن فرض مناهج أو مبادئ معينة على مؤسسة دينية أخرى قد يُفهم على أنه خروج عن مبدأ التخصص والتكامل، ويُضعف مساعي الدولة نحو بناء جسور الثقة والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع المصري.

كان من الممكن أن يتخذ وزير الأوقاف مسارًا أكثر احترافية وانفتاحًا، وذلك عبر الدعوة إلى تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الأوقاف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يكون هدفها النظر في تعزيز القيم الإنسانية المشتركة التي يتم تدريسها للأطفال. هذا النهج التعاوني يمكن أن يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين الأديان، مثل هذه المبادرة كانت ستكون أقرب إلى الروح الدستورية والمواطِنة، وأكثر احترامًا لخصوصيات كل مؤسسة دينية، كما كانت ستمثّل خطوة جادة نحو تحقيق التكامل، بدلًا من التصادم في المرجعيات.

في وقت تحتاج فيه مصر إلى تعزيز التفاهم بين مكوناتها الدينية والاجتماعية، يصبح الحوار المشترك والتقدير المتبادل بين المؤسسات هو الطريق الأنجح. إن الكنيسة القبطية ليست فقط مؤسسة دينية، بل هي أيضًا مؤسسة تربوية ووطنية أثبتت حضورها في التاريخ المصري، ولها مساهماتها المشهودة في التعليم والتنشئة الوطنية.

وبالتالي، فإن احترام خصوصية كل مؤسسة، وتقدير تجاربها، والتعاون معها، هو ما يصنع مجتمعًا قويًا، متفاهمًا ومتسامحًا، ومتماسكًا.