رانيا شفيق جريس
ماذا يعني أن "نترحّم" أو "لا نترحّم" على شخص، سواء كان حيًّا أو قد فارق الحياة؟ لفظ "الله يرحمه" في حد ذاته هو إقرار بأن الله هو مانِح الرحمة وليس من ينطق بها.
في مفهومي البسيط، الترحُّم هو تعبير عن النية الطيبة، تمامًا كما نقول لمريض: "ربنا يشفيك". هل نقصد بهذه الكلمات أن الله مُلزَم بالشفاء لأننا دعونا بالشفاء؟ بالطبع لا. كم مرة دعونا بالشفاء لأحبّاء، وكانت مشيئة الله أن يختار لهم الرحيل.
بنفس المنطق، أريد أن أقوم بتحليل موقف من يوافقون أو يعترضون على الترحُّم على شخص فارق الحياة لمُجرد أنه ينتمي لعقيدة أخرى:
- تعريف الرحمة (بحسب قاموس أوكسفورد):
"الرحمة هي الشفقة أو المغفرة التي يُظهرها شخص ما تجاه من هو في نطاق سلطته أن يُعاقبه أو يؤذيه."
إذاً، الرحمة هي أن يمنع الله عنا العقاب الذي نستحقه – أي شفقة تُظهر لمن يستحق العقوبة.
- تحليل لهذا الموقف:
أولًا: الرحمة ليست من صلاحيات البشر، بل هي في يد من يملك حق العقاب والمغفرة، أي الله وحده. نحن لا نملك مفاتيح الرحمة.
ثانيًا: إن وضع الإنسان نفسه في موقف مانح الرحمة هو في حد ذاته إعطاء نفسه حقًا من حقوق الله. وهذا – في نظري – إهانة مُباشرة لشخص الله. من أنت أيها الإنسان حتى تُعطي نفسك حقوقًا يملكها الخالق وحده؟
ثالثًا: لكي تستطيع أن تمنح أو تحجُب الرحمة، يجب أن تكون أنت نفسك ليس عليك دَين توفيه تجاه الله. بمعنى: إن كان القاضي الذي يحكُم في قضية ما، هو نفسه أحد المُتهمين فيها، فكيف يكون قاضيًا؟
(هذا طبعًا على اعتبار أنك تتفق معي أننا كلنا مخطئون ونلتمس رحمة الله).
- الخلاصة:
الله ليس مَدينًا لك بشيء حتى يُلزم نفسه بما ينطقه لسانك أو تكتبه على مواقع التواصل الاجتماعي.
الإنسان خليقة الله وعزيز على قلبه، ولن يمنحك الله سلطة التحكّم في مصيره بكلمات جوفاء أو أحكام شخصية.
مَن أنت حتى تُعطي نفسك صفات الله وتستولي على حق من حقوقه؟
هل فكرت يومًا إن كنت أنت نفسك تستحق الرحمة؟ الجواب: لا، لكن الله في فضله ونعمته يمنحك الرحمة، وإلا لما كنت حيًّا الآن لتقرأ هذه الكلمات. كلنا في الموازين إلى فوق!