دكتور بول غبريال - راعي الكنيسة العربية الكتابية - شيكاجو 
 
في زمن الجوع والضيق، حين تضعف الموارد وتُغلق الأبواب، يميل الإنسان بطبيعته إلى البحث عن الحلول المنطقية.
 
 هكذا كانت الحال مع إسحاق، إذ كانت "مِصرُ" في ذلك الزمان رمزًا للأمان والاستقرار الاقتصادي، فكان من البديهي أن يتجه إليها هربًا من القحط والجوع.
 
لكن كلمة الرب جاءت مخالفة للمنطق البشري:
 
“لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ” (تكوين ٢٦: ٢)،
 
وما كان من إسحاق إلا أن أطاع فورًا،
 
“فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ”
 
(تكوين ٢٦: ٦).
 
ما أعظم هذا المشهد! 
 
الله لم يقدّم شرحًا، ولم يُعطِ ضمانات، فقط أمر، وإسحاق سمع الكلمة وسكن حيث أُرسل، لا حيث رغب. لم يقل: “لكن يا رب، مصر أقرب وأأمن”، ولم ينتظر حتى يفهم.
 
الرب قال، وإسحاق أطاع.
هذه هي الطاعة الحقيقية — ليست مؤجلة، ولا مشروطة بالفهم أو بالراحة، بل مبنية على ثقة كاملة في صلاح الرب وأمانة كلمته.
 
وكما جاء في الكتاب:
“سَمِعْتُ سُرْعَةً، وَلَمْ أُبْطِئْ لِحِفْظِ وَصَايَاكَ”
 
(مزمور ١١٩: ٦٠).
 
الله يسرّ بالطاعة لأنها تعبّر عن قلب واثق ومسلِّم، حتى وإن بدا الطريق غامضًا أو مقلقًا.
 
“هُوَ ذَا أَنْ تَسْمَعَ، خَيْرٌ مِنْ ذَبِيحَةٍ، وَالإِصْغَاءُ خَيْرٌ مِنْ شَحْمِ الكِبَاشِ”
 
(١ صموئيل ١٥: ٢٢).
 
أما العصيان، فغالبًا ما يكون نتيجة لقلب لا يثق، أو يتكل على فهمه الشخصي، كما تحذرنا الحكمة:
 
“تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ” (أمثال ٣: ٥).
 
في زمننا الحاضر، قد يقول لك الرب:
“لا تنتقل”، أو “انتظر”، أو “لا تفتح هذا الباب”، بينما يبدو لك القرار عكسيًا للعقل والمنطق.
 
لكن الطاعة الحقيقية ليست صوت العقل، بل صوت الثقة في الله.
 
أخي وأختي:
اسأل نفسك اليوم:
هل أطيع لأنني فهمت؟ أم أطيع لأن الله قال؟
 
هل أطلب ضمانات قبل أن أتحرك؟ أم أقول ببساطة:
 
“حاضر يا رب، لأنك أنت الذي تأمر”؟
 
صلاة:
يا رب، علّمني أن أثق في صوتك، حتى عندما يبدو ما تطلبه غير منطقي. أعطني قلبًا مثل إسحاق، يسمع ويطيع دون جدال. ازرع فيّ روح الطاعة، وانزع عني كل خوف أو تردد أو اعتماد على فهمي.
قُدني بروحك القدوس، لأكون حيثما تشاء، وأسلك في طاعتك كل أيام حياتي.
آمين.
“طُوبَى لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَيْكَ” 
(مزمور ٢: ١٢)