سحر الجعارة
فى بلاد العرب وحدها سوف تجد الشخص الجديد عليك بعدما يعرف اسمك يسألك عن دينك (!!).. ولأن «الدين شخصى» سوف تجد على العكس الأفلام الأجنبية مثلاً بدلاً من السؤال، تسأل؟ «Are you a believer?» ومعناه: هل أنت مؤمن؟!.. وبعدها ليس من حقه أن يسأل من هو إلهك وكيف تعبده وهل لديك مكان مقدس للصلاة.. كل هذه الأسئلة تشغلنا نحن العرب فحسب، إما لأن بداخله استعداداً للعنصرية أو أننا متعصبون دون أن ندرى.. وهذه محاولة بسيطة جداً، وربما تكون مُخلة أيضاً، للإجابة عن هذا السؤال.
كنت فى بكين فى طريقى لزيارة سور الصين العظيم، سألت المرشدة التى تصاحب الرحلة «ما هى الأديان الموجودة فى الصين؟».. أجابتنى وهى تكاد تلقى بى خارج الباص: كل إنسان حر فيما يعتقد.. وهناك فى البازارات التى تملأ المكان حول السور وجدت كل أشكال وأيقونات أديان لا أعرف عنها حرفاً.. لم أشعر بالخجل وفتشت عن شىء يعبر عن دينى وساعتها اكشتفت «غدة العنصرية» الكامنة بين ضلوعى!
قبلها بفترة، وفى بداية حياتى المهنية، ذهبت مع وفد مصرى كان يضم الأستاذ «مكرم محمد أحمد» رحمه الله و«محمد فائق» وزير الإعلام سابقاً لنصرة جنوب لبنان، حيث كانت الضربات الإسرائيلية تنهال عليه، وضمن البروتوكول الرسمى كان لدينا زيارة للرئيس اللبنانى «إلياس هرواى» رئيس الجمهورية، ثم الرئيس «نبيه برى» رئيس مجلس النواب، ثم رئيس مجلس الوزراء «رفيق الحريرى».. فوفقاً للبروتوكول كل منهم «رئيس».. هذا البروتوكول يؤكد أن الصراعات الدينية والعرقية سوف تظل باقية.. رغم اتفاق «الطائف» لأنها مغروسة تحت الجلد وقابلة للاشتعال فى أية حادثة طائفية.. لكنى لم أتعلَّم الدرس آنذاك.
لبنان ليست وحيدة فى هذا التنوع الدينى والمناوشات الطائفية، لكن الحرب الأهلية الطويلة أنهكتها، فلم يعد هنالك من صيغة توافقية إلا هذه.. أما بقية الدول فقادرة على كتم «حلة الضغط» وتفادى انفجارها فلا تنطق حتى بأسماء الطوائف والمذاهب الموجودة عندها.. حتى لا تعترف بها.
والآن يأتى الاختبار الحقيقى: ما الذى تعرفه عن الفتاة الأيزيدية «نادية مراد طه» التى جاءت لتروى قصتها فى القاهرة دون أن تبكى.. لقد فقدت دموعها فى لحظة «الاغتصاب الجماعى» الذى تعرضت له عقاباً على محاولتها الهرب من تنظيم «داعش» فى العراق.. وحين التقت بالرئيس عبدالفتاح السيسى قالت: «إذا الإسلام ما يصير ضد داعش، داعش ما راح ينتهى».. وقال الرئيس: «كل الأيزيديات بناتى».. كانت مطالب «نادية» من العالم الدولى محددة: «تحرير أكثر من 300 طفل وامرأة تحت حكم (داعش)».
إن شئت أن تعرف عن الأيزيدية فتِّش بنفسك واقرأ وتعلَّم.. ولا تحكم فأنت لست إلهاً لتحكم على البشر، أما إن أردت الحل الأسهل فسأقول لك: إن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب استقبل العراقية الإيزيدية، نادية مراد، بمقر المشيخة فى القاهرة.. فهل يعتبرها مؤمنة أم خارجة عن الملة.. اقرأ عن الديانة الأيزيدية.
وحين استقبل «الطيب» شباب بورما قال: «درسنا أن البوذية دين إنسانية فى المقام الأول، وأن بوذا كان من أكبر الشخصيات التاريخية الإنسانية، وكبار العلماء يصفون رسالته بأنها دين الرحمة».. فماذا تعلم عن البوذية؟
أنا لن أهديك إجابات الآن (وهو ربما يكون أحد أدوار الكاتب) فقط لتُعمل عقلك وتكتشف بنفسك ولنفسك هل أنت متطرف؟؟.. وأيضاً حتى لا أملى عليك قناعاتى الشخصية (تماماً كما فعلت معى المرشدة السياحية).
كل ما سبق من حديث كان للوصول لمعرفة «من هم الدروز؟» والذى ضرب الجيش الإسرائيلى دمشق ضربات استهدفت القصر الرئاسى ومقر هيئة الأركان السورية، إلى جانب مواقع أخرى، وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، هذه الضربات بأن دولته ملزمة بـ«حماية الدروز».
الدروز طائفة عربية يبلغ تعدادها حوالى مليون نسمة.. تمارس هذه الطائفة فرعاً من الإسلام لا يسمح بتغيير الدين، سواء من أو إلى. يُعرف كتابهم بـ«رسائل الحكمة» وهو تفسير للقرآن، يمنعون الاطلاع عليه من طرف أى كان، ما عدا شيوخ الطائفة الدرزية.. هم طائفة عدد أفرادها فى الوقت الحالى نحو مليون شخص يعيشون بشكل أساسى فى سوريا ولبنان وإسرائيل.
ويعيش أكثر من 20 ألف درزى فى الجولان، التى سيطرت عليها إسرائيل خلال حرب 1967 وضمتها سنة 1981. وبحسب شبكة «سى إن إن» الأمريكية، يعيش الدروز فى الجولان جنباً إلى جنب مع حوالى 25 ألف مستوطن يهودى موزعين على أكثر من 30 مستوطنة.
وأشارت الشبكة إلى أن معظم الدروز فى الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ورفضوا الجنسية الإسرائيلية عندما سيطرت إسرائيل على المنطقة، ومنحت لهم بطاقات إقامة إسرائيلية عوضاً عن الجنسية.. إنهم الآن «ساحة الحرب المشتعلة» بعد غزة، وقد أعود للكتابة عنهم مرة ثانية، ولهذا سألت: هل أنت متعصب؟؟
نقلا عن المصرى اليوم





