دكتور بول غبريال - راعي الكنيسة العربية الكتابية - شيكاجو 
يُفاجئنا ما ورد في سفر التكوين ٢٧: ٤ عندما يطلب إسحاق من عيسو أن يُحضِر له صيدًا ليتلذّذ به:
“فَالآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْدًا، وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ، وَأْتِنِي بِهَا لآكُلَ.”
طلبٌ قد يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يكشف حالة فقدان البصيرة الروحية عند إسحاق في شيخوخته، وانشغاله برغبات الجسد على حساب الدعوة والوعد.
 
 
إسحاق… كيف وصلت إلى هنا؟
أنت الذي اختارك الله من نسل إبراهيم ليحمل البركة، وظهر لك الرب بنفسه:
“وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.” (خروج ٦: ٣)
أنت الذي باركك الرب في جَرارك وزرعك، حتى حصدت مئة ضعف:
“وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ، فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ.” (تكوين ٢٦: ١٢)
أنت الذي سار على طريق الطاعة عندما أطاع والدك إبراهيم، وترك موضع الراحة (بئر لحي رئي) وسكن حيث أراد الرب…
لكن ها أنت الآن في نهاية العمر، تفكر في الطعام، لا في البركة، في الشهوة، لا في الميراث.
 
أين النضوج؟ أين الوعي؟
هل نسيت ما قاله برزلاي الجلعادي عندما عُرض عليه القرب من الملك داود؟
“أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، هَلْ أُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ؟ وَهَلْ يَسْتَطْعِمُ عَبْدُكَ بِمَا آكُلُ وَمَا أَشْرَبُ؟” (٢ صموئيل ١٩: ٣٥)
برزلاي أدرك أن متعة الجسد لا تعني شيئًا أمام كرامة الشيخوخة، أما إسحاق فكان مستعدًا أن يعطي البركة، لا لمن اختاره الله، بل لمن يُشبعه أولًا!
 
 هذا هو العجز الروحي الحقيقي:
أن تُعطى لك المعرفة، والإعلانات، والاختبارات… ثم تُسلم قيادة حياتك للراحة الشخصية بدلًا من الروح القدس.
 
تأمل معي…
اليوم، ينتشر فكر “ريح نفسك، حب نفسك، اسعَ لراحتك” وكأنه فضيلة.
لكن الكتاب يحذر قائلاً:
“فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الرُّوحِ، فَبِمَا لِلرُّوحِ.” (رومية ٨: ٥)
والمسيح نفسه حذّر قائلاً:
“إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ، وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.” (لوقا ٩: ٢٣)
 
تنبيه روحي:
كلما أرخيت العنان لراحتك الجسدية، سيتقلص عمقك الروحي.
وكلما ركزت على ذاتك، ستتلاشى رؤيتك لرسالتك.
لكن حينما تسلك بحسب الروح، حتى في مشقة التعب، ستكتشف عمق الحياة مع الله، وتعيش كما يليق بأبناء الملكوت.
 
صلاتي أن نفيق من راحة الجسد إلى نار الدعوة،
وأن ننتقل من محبة الذات إلى حمل الصليب كل يوم،
حتى لا نكون كبني إسرائيل الذين عبدوا العجل وقت غياب موسى،
بل كموسى الذي “آثر أن يذل مع شعب الله” على أن يتلذذ بخطايا وقتية.
“إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.” (رومية ٨: ١٣)