د. رامي عطا صديق
يعظم دور الدراما وغيرها من أشكال الفن حين تستطيع أن تناقش مشكلات وهموما وقضايا مجتمعية، سواء كانت قضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وثقافية، عبر تناولها بإبداع ومهارة وحرفية، فى إطار من الواقعية والموضوعية، دون تهويل ودون تهوين، وبلا مباشرة أو «سذاجة» فى المعالجة الفنية، من خلال الاعتماد على المعرفة والمعلومات، ومن هنا يأتى العمل الفنى ليقدم المشكلة ويرفع الوعى بأسبابها ونتائجها، ويطرح الموضوع أمام المسؤولين والجمهور للتفكير فى الحلول المناسبة ومقترحات الخروج من المشكلة/ الأزمة، خاصة أن الدراما تدخل كل بيت مصرى، فيتأثر المشاهدون إيجابًا وسلبًا، وربما نتذكر سنوات ماضية كانت الشوارع فى مصر وغيرها من البلاد العربية تخلو من المارة لمشاهدة المسلسل المصرى، ولذلك تُصنف الدراما كفن شعبى.
نجحت فى ذلك الكثير من الأعمال السينمائية، والمسرحية، والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية، حتى إن بعض الأعمال الدرامية استطاع أن يغير القانون، أو أن يلفت النظر لأهمية مراجعة بعض التشريعات والقوانين، ومراجعة بعض المواقف والرؤى والأفكار، مما يمثل انتصارًا لدور الفن فى خدمة المجتمع وتطويره وتنويره، وتحريره من قيود الجهل والتخلف وغيرها من أمراض اجتماعية.
فى هذا المقام نتذكر مثلًا فيلم «جعلونى مُجرمًا» (١٩٥٤م) الذى بسببه صدر قانون ينص على الإعفاء من السابقة الأولى فى صحيفة الحالة الجنائية، حتى يستطيع المخطئ بدء حياة جديدة. وفيلم كلمة شرف (١٩٧٣م) الذى غير تشريعات السجن، وسمح للسجين بالخروج لزيارة أهله فى ظروف معينة ووفق ضوابط محددة. وفيلم «أريد حلًا» (١٩٧٥م) أسهم فى إعادة النظر فى قوانين الأحوال الشخصية، والسماح للمرأة المصرية بحق «الخلع» من زوجها والانفصال عنه. ومسلسل «تحت الوصاية» (٢٠٢٣م) أبرز مشكلات قوانين الوصاية، والتى تضر ملايين النساء والأطفال. ومسلسل «لام شمسية» (٢٠٢٥م) ناقش مشكلة التحرش بالأطفال وأهمية رفع وعى الأسر وأطفالهم بهذا الموضوع والمطالبة بالحق ومعاقبة الجانى، وغيرها الكثير من أعمال درامية، طويلة أو قصيرة.
ومؤخرًا، بترشيح من الزميلة الإعلامية والحقوقية شهد المهدى، شاهدت فيلمًا روائيًا قصيرًا، مدته «٢٥» دقيقة، اسمه «توك توك» (٢٠٢١م)، إخراج محمد خضر، وتأليف مشترك شريف عبد الهادى ومحمد خضر، وبطولة إلهام وجدى وندى أكرم ومحمد خميس وأشرف مهدى. وقد حصد الفيلم عددًا من الجوائز من بعض المهرجانات داخل مصر وخارجها.
يطرح الفيلم جُملة من المشكلات المرتبطة بعضها بعضًا منها البطالة والفقر، والعنف ضد المرأة، فضلًا عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية، خاصة أن الفيلم مأخوذ عن قصة واقعية لإحدى الغارمات، حيث تدور قصته حول «ولاء»، الشخصية الرئيسة فى الفيلم، وهى زوجة وأم لطفلين، بنت وولد، يعاملها زوجها بشكل سيئ، ولم يكن يهتم بتعليم أطفالهما، بل كان يمارس العنف اللفظى والمعنوى تجاه زوجته وطفليه، وربما كان السبب شعوره بالنقص خاصة أنها أعلى منه تعليمًا، فضلًا عن معاناته من مشكلة الفقر.
وعبر شبكات التواصل الاجتماعى تعرف الزوج على سيدة تعيش فى بلد أوروبى، وقرر السفر إليها عن طريق الهجرة غير الشرعية، حيث تواصل مع «سمسار بشر» ليساعده فى الهجرة، وترك رسالة لزوجته وغادر، لكنه غرق فى البحر. قررت ولاء العمل على «توك توك» لتأمين معيشتها، من حيث تربية طفليها ومساعدة والدتها المريضة وأخيها المريض. فاشترت التوك توك بالتقسيط، ووقعت على إيصالات أمانة، لتبدأ العمل سائقة توك توك، إلا أنها واجهت بعض الصعوبات، أبرزها مضايقات سائقى التكاتك الذين لم يتقبلوا منافستها لهم، إلى جانب الطمع فيها! إلا أن سيدات المنطقة وقفن إلى جانبها، وبدأن الاعتماد عليها فى تحركاتهن بدلًا من التعامل مع السائقين الرجال، فكن يتواصلن معها عبر الهاتف لتوصيلهن إلى الأماكن التى يُرِدْن الذهاب إليها، وتمكنت ولاء من دفع أول قسط للتاجر، وقد انزعج أحد سائقى التكاتك من نجاحها، وحاول التحرش بها والاعتداء عليها أكثر من مرة. وعندما دافعت عن نفسها ومنعته، قرر الانتقام منها، حيث أحرق التوك توك الخاص بها، لينتهى الفيلم بهذه النهاية الحزينة والمؤلمة، لافتًا الانتباه إلى قضايا السيدات الغارمات، وتسليط الضوء على جانب من معاناتهن.
فيلم «توك توك» عمل فنى متميز يعرض قضايا إنسانية واجتماعية، وهو يستحق المشاهدة، ومن هنا أدعو الجهات المُنتجة إلى الاهتمام بإنتاج ودعم هذه النوعية من الأعمال الفنية، والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية والشبابية بأن تهتم بعرضها جماهيريًا فى قنوات التليفزيون وقصور الثقافة ومراكز الشباب والمعاهد والكليات لرفع الوعى بما تطرحه من مشكلات وما تناقشه من قضايا.
نقلا عن المصرى اليوم