الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
 
في كثير من دول "العالم الثالث"، حيث يُعاني التعليم من الضعف والهشاشة، لم تزل الأمراض النفسيّة تُعامَل كأنّها "أمراض في الإيمان" أو "ضعف روحيّ"، بدل أن يُنظر إليها بوصفها جزءًا من الخبرة البشريّة الكاملة، شأنها شأن الأمراض الجسديّة. ومع أنّ العلم والطبّ النفسي قد أثبتا بما لا يدع مجالًا للشكّ أنّ الاضطرابات النفسيّة يمكن أن تُصيب أي إنسان – بغضّ النظر عن إيمانه أو مكانته أو تكريسه – فإنّ النظرة المجتمعيّة، بل والكنسيّة أحيانًا، لا تزال مشبعة بأحكامٍ أخلاقيّة غير منصفة.
 
إنّ الأمراض النفسيّة ليست نقيضًا للإيمان، تمامًا كما أنّ مريض الكِلى أو القلب لا يُلام لأنّه "أخطأ". لا نقول لمريض القلب: "علاقتك بالمسيح ستشفيك، اذهب وصلِّ فقط!"، بل نُرافقه طبيًّا ونفسيًّا وروحيًّا. فكيف نُقصي رجل الدين – الأسقف، أو الراهب، أو الكاهن، أو الراهبة – عن هذا المنطق البديهي، ونطلب منه أن "يصبر ويصلي فقط"، وكأنّ الصلاة تحلّ محلّ العلاج بدل أن ترافقه؟
 
الراعي، مهما كان تكرّسه، إنسانٌ قبل كلّ شيء. وإن كان التكرّس الكهنوتيّ دعوة إلى تقديم الذات "قربانًا حيًّا"، فهو لا يُلغي الهشاشة البشريّة، بل يُنادي باعترافٍ شجاع بها، واتّكالٍ على نعمة الله وسط محدوديّات الجسد والنفس. الكنيسة مدعوّة إذًا إلى الاعتراف الصريح بأنّ "الرعاية النفسيّة ليست رفاهًا، بل ضرورة رعويّة وتكوينيّة"، تبدأ من الإكليريكيّات ودور التكوين، وتمتدّ إلى كلّ مرحلة من مراحل الحياة الكهنوتيّة والرهبانيّة.
 
ومن الضروري أيضًا أن تشمل الرعاية النفسيّة "المرافقة المنهجيّة والعلمية لكلّ من يتقدّمون إلى الخدمة الكنسيّة، سواء ككهنة أو شمامسة أو رهبان أو أساقفة". فبسبب الهالة الروحيّة المحيطة بهذه الدعوات، تتحوّل أحيانًا إلى ملاذٍ آمنٍ "لأشخاصٍ يعانون من اضطراباتٍ نفسيّة عميقة وغير مُعالجة"، يجدون في المؤسسات الكنسيّة مخرجًا من أزماتهم الداخليّة لا شفاءً منها. ومع مرور الوقت، "قد تتحوّل هذه الأزمات إلى بؤر معاناة صامتة أو سلوك مدمّر" – للفرد وللجماعة.
 
زد على ذلك، أنّ الرهبانيّات والإيبارشيّات والمجتمعات المسيحيّة المغلقة تضيف "أشكالًا من الضغط النفسيّ والعاطفيّ والاجتماعيّ" يصعب التعبير عنها أو الاعتراف بها، خصوصًا إذا ساد مناخ من المثاليّة اللاواقعيّة أو الإنكار الجمعيّ. فكلّ تكريسٍ يتطلّب حريّة داخليّة ونضجًا نفسيًّا وروحيًّا، ولا يمكن بلوغهما من دون مرافقة محترفة تُنير الأعماق وتحرّر الندوب المخفيّة.
 
لقد كتب البابا فرنسيس في فرح الإنجيل (Evangelii Gaudium): "أحيانًا نطلب من الكهنة أن يكونوا مثلما لا يستطيع أحد أن يكون". فالكمال الإنساني ليس شرطًا للكهنوت، بل بالعكس، هو أرضٌ خصبة لنعمة تتجسّد في التراب. والنعمة لا تُقصي الألم، بل تعبر من خلاله.
 
أخيرًا، لعلّ السؤال الذي يجب أن يُطرَح في الكنيسة هو: من يُرافق الكاهن حين يتألّم؟ من يصغي إلى مَن يُصغي دائمًا؟ إن لم نفتح عيوننا وقلوبنا لهذه الحاجة، فقد نجد أنفسنا يومًا نرثي راعيًا انهار بصمت، بينما نقف نحن أمام مرآة إهمالنا الجماعيّ.