هاني صبري – المحامي
شهدت مدينة اللاذقية السورية جريمة مروعة حين أقدم شخصان يستقلان دراجة نارية على إطلاق النار بشكل مفاجئ أمام مدخل كنيسة مار تقلا، مستهدفين أحد المصلين وإصابته بجروح بالغة، قبل أن يلوذا بالفرار دون أن تتمكن السلطات من إلقاء القبض عليهما حتى اللحظة.
ويأتي هذا الحادث بعد يومين فقط من الهجوم الدموي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في العاصمة دمشق، ما يثير مخاوف جدية من تصاعد موجة جديدة من العنف الطائفي الذي عانت منه سوريا خلال السنوات الماضية. وتؤشر هذه الاعتداءات المتكررة إلى حالة الانفلات الأمني المتفاقم في عدد من المحافظات، وهو ما قد يشجع الجماعات المتطرفة على تنفيذ مزيد من الهجمات ضد المدنيين الأبرياء، لاسيما من المسيحيين السوريين.
بين التقصير الدولي والانفلات الأمني: المسيحيون السوريون في عين العاصفة.
في هذا السياق، تبرز الحاجة المُلحّة إلى حماية المسيحيين في سوريا، وسط تصاعد خطير في الاعتداءات ذات الطابع الطائفي، وتكرار الهجمات الإرهابية التي تستهدفهم. إن فرض الأمن وبسط سلطة القانون، لا سيما في المناطق التي تضم تنوعاً دينياً وقومياً، يُعد من أبرز التحديات التي تواجه السلطة الانتقالية في البلاد، والتي بات من واجبها القانوني والأخلاقي التصدي بحزم لمثل هذه الجرائم.
إن ما جرى في كنيسة مار إلياس ومار تقلا لا يُعد فقط جريمة إرهابية نكراء، بل هو انعكاس لحالة التدهور الأمني الخطير الذي يهدد وحدة المجتمع السوري ونسيجه الثقافي والديني. فقد أصبح المسيحيون – وهم مكوّن أصيل من مكوّنات الحضارة السورية – عرضة لسلسلة متواصلة من الانتهاكات والاضطهاد، وسط فراغ سياسي ومؤسسي، وتعدد الفصائل المسلحة، وغياب سلطة القانون.
إن استمرار هذه الهجمات يرسّخ شعورًا مريرًا لدى أبناء الأقليات الدينية والعرقية بأنهم مستهدفون في وجودهم وهويتهم، في ظل تراجع دور الدولة وتقصير المجتمع الدولي والعربي في توفير الحماية اللازمة لهم. وإن تجاهل هذه الاعتداءات المتكررة يُسهم في تعميق الانقسامات، ويُهدّد بإعادة البلاد إلى دوامة العنف الطائفي التي عانى منها السوريون طويلاً.
من هذا المنطلق، نؤكد أن على السلطة الانتقالية في سوريا أن تتحمّل كامل مسؤولياتها الوطنية والدستورية في حماية كافة المواطنين، دون تمييز على أساس الدين أو القومية. ويجب أن تكون أولوية المرحلة المقبلة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على أسس مهنية وعادلة تكفل سلامة الجميع، والتصدي لجميع أشكال التطرف والإقصاء.
كما ندعو إلى تشكيل لجان رقابية تُعنى بمتابعة أوضاع الأقليات، وفتح قنوات حوار مباشر مع ممثلي الطوائف والمكوّنات المختلفة، بما في ذلك المجتمع المسيحي، والعلوي، والكردي، والدرزي، لضمان مشاركتهم الفاعلة في بناء مستقبل سوريا، بعيدًا عن التهميش والتمييز.
إن أمن سوريا واستقرارها لن يتحققا إلا حين يشعر كل مواطن – مسيحيًا كان أم مسلمًا، سنيًا كان أم شيعيًا، عربيًا كان أم كرديًا – بأنه شريك حقيقي في هذا الوطن، وأن له مكانًا آمنًا تحت مظلة دولة القانون والمواطنة المتساوية.
وفي الختام، نؤكد أن السلام في سوريا لا يمكن بناؤه دون حماية مواطنيها، ومحاسبة الجناة، وتكريس ثقافة التعايش، ونبذ العنف والطائفية والكراهية. فحماية المسيحيين ليست فقط واجبًا أخلاقيًا، بل التزام قانوني وإنساني يقع على عاتق الدولة، والمجتمع، والمجتمع الدولي على حدٍّ سواء.