دكتور بول غبريال – راعي الكنيسة العربية الكتابية – شيكاجو
في عالم يمجّد الأرقام ويقيس النجاح بعدد المتابعين والمؤيدين، يُفاجئنا الرب يسوع بموقف مغاير تمامًا. فعندما كانت الجموع تسير خلفه، لم يفرح بهذا الحشد الكبير كما يفعل الكثيرون اليوم، بل التفت إليهم بكلمات صادمة، تكشف عمق معنى التلمذة الحقيقية.
وهنا يخبرنا الوحي المقدس عن هذه التلمذة:
"وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لوقا ١٤: ٢٥-٢٦).
هذه الكلمات لا تدعو إلى كراهية الأسرة بمفهومها السلبي، بل تعبّر عن المقارنة الشديدة في الحب والولاء. فالمسيح يطلب أن يكون هو في المرتبة الأولى، فوق كل العلاقات، حتى أقربها إلينا. التلمذة ليست مجرد اتباع خارجي، بل هي قلب مكرّس بالكامل، مُسلِّم القيادة للمسيح دون شروط.
وفي رسالة بولس إلى أهل كولوسي، نجد هذا المبدأ مجددًا:
"لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ" (كولوسي ١: ١٨).
فالمسيح لا يطلب المركز الثاني في حياتك. هو لا يرضى أن يكون جزءًا من اهتماماتك، بل يطالب بالسيادة الكاملة، لأنه وحده المستحق. وحينما يكون هو الأول، تنتظم كل الأمور الأخرى في مكانها الصحيح.
ويقول الرب يسوع - له كل المجد ح أيضًا:
"مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ٱبْنًا أَوْ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (متى ١٠: ٣٧).
السؤال الآن ليس: "هل أتبِع المسيح؟" بل: "هل هو الأول في حياتي؟"
هل له السيادة على قراراتي، على وقتي، على علاقاتي، على مستقبلي؟
المسيح لا يدعو إلى علاقة سطحية، بل إلى تلمذة كاملة، مبنية على محبة خالصة.
فهو الذي أحبنا أولاً، وبذل نفسه لأجلنا، فهل نبادله هذا الحب؟
"لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تُلْزِمُنَا" (٢ كورنثوس ٥: ١٤).
صلاة:
يا رب، لا تسمح أن يكون لك مكان ثانوي في قلبي.
أعطني نعمة أن أضعك أولًا، وأختارك فوق كل شيء.
علّمني أن أكون تلميذًا حقيقيًا، لا بالكلام فقط، بل بالحياة، والطاعة، والتكريس الكامل لك.