القمص رويس الجاولى
القرون الأولى: من القرن الاول حتى منتصف القرن السابع الميلادي.
يعتبر توما أحد التلاميذ الاثنا عشر أول من بشر بالمسيحية في بلاد ما بين النهرين وفارس بحسب التقليد المسيحي. وبحسب التقليد السرياني، فقد قام مار ماري تلميذ مار أدي بنشر المسيحية في بلاد الرافدين وبالتحديد ببابل وكرخ سلوخ (كركوك) في القرن الأول. غير أن ابن العبري يذكر أن مار أدي هو المسؤول عن نشر المسيحية في كل فارس وآشور وأرمينيا وميديا وبابل وغيرها، كما يوافقه في الرأي مؤرخون سريان آخرون مثل ماري ابن سليمان ومخطوطات تاريخ كنيسة المشرق منذ القرن السابع. من المعروف تاريخيًا أن المسيحية.
أصبحت بحلول القرن الثالث متوطدة في شمال ما بين النهرين وخاصة بمدينة الرها التي أصبحت في فترة مبكرة مركزًا ثقافيًا للمسيحية السريانية. وتظهر هيمنة الرها جليًا في اعتبار لهجتها الآرامية التي عرفت بالسريانية لغة ليتورجية لهذه الكنائس. ويبدو أن المسيحية انتشرت بسرعة شرقًا بعد أن قام أباطرة الساسانيين وخاصة شابور الأول بحملات على الإمبراطورية الرومانية كانت من نتائجها سبي عدد كبير من مسيحيي سوريا وقيليقية وكبدوكية، من ضمنهم بطريرك أنطاكيا الذي أصبح أول أسقف على «بيث لافط» (جنديسابور). ومن اللافت للنظر هنا أن هذا السبي أدى إلى حدوث ازدواجية في كنيسة فارس وذلك لتواجد كنيستين: سريانية ويونانية، وذلك حتى القرن الخامس. ويظهر ذلك في نقوش كاترير، الكاهن الأعظم للزرادشتية، والتي تذكر اضطهاد المسيحيين السريان (نصرايي) واليونان (كريستياني).
وصلت المسيحية إلى مرحلة متقدمة من التطور في القرن الثالث فتم تشكيل أسقفيات في المدن الكبرى. خلال تلك الفترة ازدهرت مدينتان كبريتان في شمال ما بين النهرين: كرخا دبيث سلوخ وأربيل كمركزين تجاريين ودينيين هامين بالإضافة إلى عدة مدن أصغر حجما كنينوى ونصيبين. ويحتمل أن هذا الطريق المار بهذه المدن الواصل سوريا بشمال إيران وبحر قزوين كان من أهم الطرق التي سلكها المبشرون بالمسيحية. أدت المنافسة بين الأساقفة حول من يعتبر الأعلى مرتبة في الإمبراطورية الساسانية إلى الاستعانة بأسقف الرها الذي أوصى بإعطاء الأولوية لمدينة قطيسفون، العاصمة السياسية للساسانيين. ويعتبر هنا پاپا بار أجي (توفي 328) أول أسقف على قطيسفون يحمل لقب جاثليق المشرق.
واجهت كنيسة المشرق أول أمتحان لها عندما اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية وأعلنها ديانة رسمية، ما أدى إلى قيام الساسانيين بحملات منظمة للقضاء على المسيحيين. كما تزامنت هذه الفترة مع صعود نجم الزرادشتية كديانة رسمية في فارس. شهدت فترة حكم شابور الثاني (209-279) أعنف تلك الاضطهادات التي راح ضحيتها آلاف المسيحيين على رأسهم الجثالقة شمعون بار صباعي وسهدوست وبربعشمين وتومرسا. تعكس وثائق الكنيسة في هذه الفترة تدمير العديد من الكنائس والأديرة كما تعطي بذلك فكرة عن مدى انتشار المسيحية الكبير في غرب الإمبراطورية الساسانية. وبوفاة شابور الثاني تحسنت أوضاع المسيحيين، فحاول خليفته يزدجرد الأول التقرب من البيزنطيين بدمج المسيحيين في البلاط الفارسي. كما شهدت فترة أوائل القرن الخامس زيادة البعثات الدبلوماسية بين الطرفين كانت نتيجة إحداها، بقيادة ماروثا أسقف ميافارقين، السماح بإعادة بناء الكنائس.