دكتور جوزيف سعد حليم
رداً على ما كتبه الدكتور يوسف زيدان بتاريخ 13 / 6/ 2025 بخصوص ( تكوين 49 : 8، 9) وقد ربط سيادته بين هاتين الآيتين من ناحية وبين العملية العسكرية العبرانية، الجارية حاليًا، ضد إيران :
في البداية ومن أجل الأمانة العلمية سأورد هنا نص ما كتبه سيادته ، ثم أبدأ بنعمة الله الرد على ما قال (ستجد في أول تعليق صورة لما قال من على صفحته الشخصية) :
"إلى الذين يسألون عن معنى ودلالة (الأسد الصاعد) وهو اسم العملية العسكرية العبرانية، الجارية حاليًا، ضد إيران :
هي تسميةٌ مستوحاة من الإصحاح التاسع والأربعين في سفر التكوين، التوراتي، الآية الثامنة وما بعدها.. حيث يتنبّأ النبيُّ "يعقوب" الذي صارع الله وغلبه، ولذلك لُقِّب بإسرائيل، بمستقبل أولاده ومنهم "يهوذا" فيقول مبُشرًا له بقيام دولة قوية، ما نصُّه : يهوذا، إيّاك يحمد إخوتك (يقصد : يحترمك كل العبرانيين) يدك على قفا أعدائك (يقصد : تنتصر على كل من يعادونك) يسجد لك بنو أبيك (يقصد : تكون زعيمًا لكل اليهود) يهوذا، جرو أسد (يقصد : شبل) من فريسةٍ صعدت يا ابني ( يقصد : ضعف من حولك هو سر قوتك) جثا وربض كأسدٍ ولبؤة (يقصد : سوف تلتهم بضراوة الحيوانات الذين حولك) فمَن يُنهضه.. وله يكون خضوع شعوب
سفر التكوين، الإصحاح التاسع والأربعين، آية ٨، ٩
المعنى واضح تمامًا، ومباشر تمامًا.. لكن أكثر الناس في بلادنا لا يقرأون، وإن قرأوا، لا يفهمون ما هو مكتوب" (انتهى كلام د. يوسف زيدان)
الغريب في الأمر أن بعض المسيحيين معجبين بهذا الكلام!!! إما لأنهم لم يقرأوا الكلام جيداً، فلم ينتبهوا للأمر جيداً، أو لعدم معرفة البعض معرفة جيدة بكلمة الله.
والسؤال المبدئي لسيادته هو: لماذا لم تكتب حضرتك بالأولى عن شعار العملية الإيرانية "الوعد الصادق" بما أن ذلك الشعار يتماس أكثر مع إيمانك؟؟؟!!! هذا مجرد تساؤل، وتعحب !!!
وعلى الرغم من أن سيادته في نهاية ما كتب يتهم أكثر الناس في بلادنا" بأنهم " لا يقرأون، وإن قرأوا، لا يفهمون ما هو مكتوب" فهل سيادته قرأ وفهم بالحقيقة؟!
وطبعاً لا يليق برجل أكاديمي أن يستخدم أسلوب غير أكاديمي ليُعلم الناس البحث الأكاديمي مع كامل احترامي وتقديري لشخصه.
وهنا نسأل سيادته: هل هذا الكلام ناتج عن بحث أكاديمي؟ أم عن دافع خفي في القلب؟! لأنه كما هو معلوم للجميع أن البحث الأكاديمي لا يكون بإخفاء باقي النص، أو اقتطاع جزء من السياق، أو عدم إيراد النص كاملاً بهدف الزيغان عن الحق ... كما أن البحث الأكاديمي يا دكتور لا يكون بأن تقوم بالتفسير بحسب هوى حضرتك ليقول ما تُريد سيادتك قوله ... البحث الأكاديمي يكون بأن ترجع لأقوال المفسرين والشراح لهذا النص، وهذا لا يمنع بكل تأكيد أن تُبدي رأيك فيما قالوا سواء بالاتفاق أو بالاختلاف.
فلو أن سيادتك قرأت كما تُريد ذلك من الناس لكنت أكملت قراءة الآية التالية لما سبق وأن أوردتَ، وكنت فهمت فهماً صحيحاً ما المقصود بهاتين الآيتين، لكن سيادتك على ما يبدو إن افترضنا حُسن النية أنك لم تقرأ سوى هاتين الآيتين، وإلا فإنك تكون قد اقتلعتهما من السياق ليقولا ما تُريد قوله أنت ولتوحي للقراء أنك قرأت وفهمت، ولزيادة جرعة الإيحاء رحت تشرح وتُفسر وتوضح المعاني اللغوية مستخدماً كلمة "يقصد".
فهل فعلاً المقصود في هذا النص الكتابي هم الشعب اليهودي يا دكتور يوسف؟! أم أن هذا نصاً رمزياً يرمز لشيء آخر؟! أو بمعنى أدق نص يشير ويرمز إلى شخص؟! وهل تعلم ذلك أم لا؟!
قبل كل شيء وللتوضيح أقول إن كلمة يهوذا وبالعبري "יְהוּדָה" (وتُنطق يهوداه) مشتقة من الجذر العبري ידה (Y-D-H)، والذي يعني: "حَمِدَ، شَكَرَ، اعترف بالفضل" وأصله يمدح ويشكر، ويركز الرابي Rashi على أن اسم يهوذا يعني "شكر" وليس كما ادعى أحمد ديدات ومن تبعه وسار على نهجه من الجماعات الإسلامية، وهذا الاسم اختارته أمه له عن ولادته بحسب (تكوين 29: 35) "وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: «هذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «يَهُوذَا» ... فهذا الاسم هو تعبير عن التسبيح والشكر والاعتراف بنعمة الله ومحبته (راجع قاموس أعلام الكتاب المقدس، ص 122، القاموس الموسوعي للعهد القديم، الطبعة الأولى 2010، المجلد رقم 7 ص 666، 667) هذا السبط هو الذي حفظ العبادة بعد الانقسام (انقسام المملكتين) وهو السبط الملكي الذي جاء منه ملوك إسرائيل (مت 1: 2 – & لو 3: 33، 34) ومن هذا السبط جاء المسيح بحسب الجسد.
أما النص الذي نحن بصدده هنا هو عبارة عن نبوة ليعقوب أب الآباء، (ملاحظة جانبية إن الكتاب المقدس ذكر لماذا تغير اسم يعقوب إلى "إسرائيل" في حين أن القرآن لم يذكر ذلك إطلاقاً، وكالعادة اختلف المفسرون في ذلك) فلقد تنبأ يعقوب بصورة رمزية وأعطى بركته لجميع أولاده قبل أن ينتقل من هذا العالم، وهذا الجزء النبوي الرمزي خاص بابنه يهوذا، وها هو النص بالآية التالية التي لم يوردها الدكتور يوسف " يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ، يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ، مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي، جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. " (تك 49: 8-10)
مفتاح فهم هذا النص الكتابي هو أن نفهم من هو "شيلون"؟ ومن هو هذا الذي "َلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" وما المقصود ب " قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا"؟! ومن هو " يَهُوذَا" الذي إياه يحمد إخوته؟!
أولاً: من الناحية الكتابية:
هذا النص الكتابي يرمز إلى شخص " المسيح " له كل المجد الذي له يكون خضوع شعوب، فكان ينبغي أن تقول " يقصد بالأسد: الرب يسوع المسيح " مصداقاً لقول الكتاب المقدس نفسه في سفر (الرؤيا 5: 5) " الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا". فالكتاب يُفسر نفسه بنفسه.
" إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ ... يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ" هل هذه الكلمات تنطبق على إنسان عادي أو على يهوذا نفسه؟! ما نفهمه من هذه الكلمات أنه من سبط يهوذا سيخرج النبي داود ونسله ملوك مملكة يهوذا، ثم منه سيأتي المسيح ملك الملوك الذي سيسجد له العالم كله كما هو مكتوب "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ." (في 2: 10، 11)
أما " قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا " فإن كلمة "قضيب" هي ترجمة عربية للكلمة العبرية שֵׁבֶט وتُنطق (shebet) والتي تعني "الصولجان" "وهو عصا ذهبية يُمسكها الملوك إعلاناً لتملكهم (راجع مزمور 45: 6) وهو رمز السلطة والمُلك والحُكم، وهذا يعني أن السلطة الملكية ستبقى في نسل يهوذا، وهو ما تحقق أولاً في داود ونسله، ثم في المسيح بحسب العهد الجديد (راجع إنجيل متى 1، لوقا 3)
أما "َمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ" "أي الشخص المُشرع، الذي يُقرر الشرائع ويضع القوانين، من بين رجليه: المقصود: من نسله، من ذريته." (راجع كتاب سفر التكوين بالخلفيات التوضيحية ص 102)
أما كلمة "شيلون" كما يرى البعض فإنها تعني " واهب السلام" ورغم أن هذه الكلمة العبرية تُعتبر لغويًا غامضة ومثيرة للجدل لدى البعض إلا أن الآباء يرونها اسماً رمزياً للمسيح استناداً لما ورد في الترجوم اليهودي "شيلوه" = الذي له الأمر أو الذي له الحق وهي إشارة للمسيا" (راجع: الترجوم، التفسير اليهودي القديم) وكما ورد في الترجوم الأرامي حيث يترجمها: "حتى يأتي المسيح الذي له المُلك" ، ويُقصد بها الذي له الكل أو صانع السلام، وبالتالي تكون نبوة عن المسيح ويتماشى ذلك مع ما تنبأ به إشعياء النبي "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (إش 9: 6) فهو القائل بفمه الطاهر "«سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ." (يو 14: 27).
" وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" هذه هي النتيجة النهائية التي تعني سيادة المسيا على الأمم، وهو ما يتكرر كثيراً في العهد الجديد كما في (فيلبي 10:2، رؤيا 11: 15).
ثانياً: تفسيرات وشروحات الآباء:
قال القديس يوستينوس الشهيد (من القرن الثاني) "من نسل يهوذا سيأتي المسيّا، وله سيكون خضوع الشعوب."
وقال القديس كبريانوس (من القرن الثالث) في إحدى رسائله (62: 6) " في بركة يهوذا ... نجد هناك أيضاً رمزاً للمسيح، بأنه سوف يحمده إخوته، ويسجدون له، وأنه سوف يُطارد فلول أعدائه المستسلمين والهاربين بيديه اللتين حملتا الصليب وهزم بهما الموت " يداك على قفا أعدائك "، وأنه هو نفسه الأسد الخارج من سبط يهوذا الذي ينبغي أن يجثو لينام في آلامه، ولكنه يقوم، وسوف يكون هو نفسه رجاء الأمم"
ق. ميثوديوس الشهيد أسقف أوليمبوس بآسيا الصغرى ( 216 – 260 م) قال في عظة له يوم أحد الشعانين " اليوم أيضاً يُعيّد يعقوب أب الآباء عيداً روحياً ناظراً تحقيق نبوته، ومع المؤمنين يسجد للآب"
كما قال القديس أغسطينوس (354- 430 م) " لقد سبق فتُنبئ عن موت المسيح بقوله "ربض"، موضحًا أن موته كان بإرادته وليس قسراً، إذ رمز له بالأسد. لقد أعلن هذا السلطان بنفسه في الإنجيل إذ قال: "ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). هكذا زأر الأسد وتمم ما قاله. لقد أضاف إلى هذا سلطانه في القيامة بقوله: "من ينهضه؟!" بمعنى أنه يقيم نفسه وليس إنسان يقيمه. لقد قال عن جسده: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19). تحدث أيضًا عن نوع موته أي الصعود على الصليب، إذ قيل: "من فريسة صعدت"، ثم يعود ليؤكد ذلك قائلاً:
" دُعِيَ اليهود هكذا "يهوداً"، لأجل يهوذا أحد الاثني عشر أبنًا ليعقوب... الذي من صلبه جاءت الملوكية... من هذا السبط جاء الملوك، ومنه جاء ربنا يسوع المسيح" وكما قال أبونا الحبيب القمص تادرس يعقوب ملطي " إنه امتياز يقدمه يعقوب لابنه الذي يحمل نسله قضيب الملك ومن بنيه (بين رجليه) يكون الحكم الذي يشرع حتى المسيا واهب السلام (شيلون) فيضم الشعوب إلى مملكته الروحية" (القمص تادرس يعقوب ملطي، من سلسلة تفسير وتأملات الآباء الأولين، تفسير سفر التكوين، تفسير الأصحاح 49)
طبعاً هذا بعض من كل لأنه يوجد مراجع أخرى كثيرة مثل العلامة أوريجانوس والقديسين غريغوريوس وأمبروسيوس وغيرهما.
وهذا يعني وجود إجماع واضح بين آباء الكنيسة على أن وصف "يهوذا كهذه الصورة صورة الأسد‑الشبل" في (تكوين 49: 9) صورة "جير אריה" (الأصل العبري لكلمة "جرو" التي تعني "شبل") والتي تُعبّر عن قوة وجرأة لا تُقهر كدلالة نبويّة عميقة تُشير وترمز إلى المسيح، "أسد سبط يهوذا"، وهذه صورة رمزية للسيادة والمُلك والسلطة والانتصار الروحي.
قد تقول حضرتك أو قد يقول قائل آخر هذا تفسير مسيحي، وهذه وجهة نظر مسيحية، لذا سأقدم الآن لحضرتك ولكل قارئ آراء بعض الفقهاء اليهود (استخدمت كلمة "الفقهاء" لتناسب ثقافة حضرتك) من المصادر العبرية والتي تربط النبوّة بالمسيا—لاسيما ضمن تيار التلمود والميدراش ، على الرغم من أن بعضهم يرى تطبيقاً أولياً على داود، فإن نفس النبوة تُوسع ليشمل "الملك الممسوح" (המשיח) القادم من سبط يهوذا.
ثالثاً: التراث والتفسيرات اليهودية (العبرية):
1. الترجوم – ترجمة Onkelos (القرن الأول – الثاني)
حيث ترجم ما جاء في (تك 49: 9) هكذا "كمحكّم أولاً، وفي النهاية يكون ملكًا ممسوحًا من بيت يهوذا" وفي الشرح قال "يُفهم ذلك كإشارة إلى أن نبوّة يعقوب تشير إلى مظهرين: حكومة ابتدائية توجّه بالحكمة، وفي النهاية ملكية مملوءة بالألوهية – أي الملك الممسوح (المسيح)"
"ويقدم ترجوم يوناثان عن تكوين 49: 10 و11 ما يلي: " لن ينقطع الملوك والحكَّام من بيت يهوذا، ولا معلمو الشريعة من نسله، حتى يجيء الملك المسيا أصغر أبنائه، وبمعونته يجتمع الناس معاً. ما أعظم الملك المسيا الآتي من نسل يهوذا" (Ethridge, TOJ, 331 )
ويقول جوش ماكدويل "أما الترجوم المنسوب ليوناثان فيقول في تكوين 49: 11 "ما أكرم الملك المسيا الذي سيخرج من بيت يهوذا" ( Bowker, TRL, 278 ) (جوش ماكدويل، برهان جديد يتطلب قراراً، دار الثقافة، الطبعة الثانية، 2004، ص 192)
2. شروحات التلمود / المدراش – Midrash, Rashi
"يربط النبوة بشخصية داود أولاً (كـ"جرو" ثم أسد كبير)، هو الذي رفع يهوذا من ضعف للشهرة الملكية " (Genesis Rabbah 98‑99)
أما الرابي Rashi فإنه يؤكد على أن النبوة ترتبط بظهور قوة داود، وعبر مفهوم "מלכות" ( الملكية) فهو ينطبق على سلالة ملوك (الداوديين) ويُفترض فيه "המשיח" المسيا أي الممسوح.
3. التفسير الحديث
في القرن ال 16 الميلادي نجد الرابي Sfron يربط كلمة שִׁילֹה (شيلوه) بـ"الملك المُنتظر أو المُرتجى" في اليوم الأخير – أي المسيا المُنتظر.
وفي الختام نعود لنؤكد ما سبق أن قاله :Midrash و Yalkut Shimoni الذين يشيرون بوضوح إلى أن هذا الأسد ينطبق على ابن داود – المسيح المنتظر.
وهذا التفسير يُذكر ضمن التراث اليهودي التقليدي كجزء من الرجاء التلمودي بعودة الملك من سبط يهوذا الذي يحقق التحرير والخلاص.
من هنا نصل إلى نتيجة واحدة هي أن الأسد المقصود هنا ليس الأمة العبرانية كما كتب الدكتور يوسف زيدان واقتبس نصاً كتابياً أجمع المفسرون اليهود والمسيحيون على أنه خاص بالمسيا ( أي المسيح الذي له كل المجد)
لكن على ما يبدو أنه فسر بحسب خلفيته الثقافية الدينية القرآنية ، فأسقط ما في رأسه على النص، ففي القرآن " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" (سورة البقرة 47) " ثم عاد وكرر نفس الكلام وفي نفس السورة (سورة البقرة 122) " وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" (سورة الجاثية 16) هذه هي وجهة النظر القرآنية التي حصرت النبوة والحكم في بني إسرائيل (أي اليهود رغم أنه عاد فيما بعد الهجرة ووصفهم بأوصاف سلبية !!!)
وقد أكد حصر النبوة والوحي في عبارة "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ" (سورة العنكبوت 27)
وهذا يضع تساؤلاً كبيراً جداً جداً هو: إن كانت النبوة هي فقط في نسل " إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ" فكيف تؤمنون بنبوة نبيكم محمد الذي ليس من ذرية " إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ"؟؟؟!!!
في الختام أذكره بما ختم به هو قائلاً " المعنى واضح تمامًا، ومباشر تمامًا.. لكن أكثر الناس في بلادنا لا يقرأون، وإن قرأوا، لا يفهمون ما هو مكتوب" فأرجو أن تقرأ وتفهم سيادتك.
لكنني في النهاية أريد أن أؤكد أن الأسد ليس رمزًا ثابتًا في كلمة الله. (يعني مش كل لما تلاقي كلمة "أسد" تظن أن الكلمة ترمز إلى المسيح أو اليهود أو حتى الشيطان ....) فقد يرمز الأسد إلى المسيح أو شعب الله عندما يتصف بالقوة المقدسة والانتصار، وقد يرمز إلى الشيطان أو أدوات دينونة الله عندما يظهر في صورة الزحف أو الافتراس كما وصف بذلك نبوخذنصر، فالتمييز بين الاستخدامات هام جداً، ويتضح ذلك دائماً من سياق النص الكتابي والقرينة التي توضح ذلك، وهذا ما سوف نتحدث عنه فيما بعد.
نُصلي أن يفتح الله العقول ويُنير الأذهان بنور النعمة الإلهية التي تقود إلى الحق، وأن يحل بسلامه على كل العالم، فهو ملك السلام ورئيس السلام.
دكتور جوزيف سعد حليم