الأقباط متحدون - نياحة الإخوة الغرباء (الروميان)
أخر تحديث ٠٦:٤٧ | الاربعاء ٢٣ يناير ٢٠١٣ | ١٥ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠١٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

نياحة الإخوة الغرباء (الروميان)

بقلم: القمص اثناسيوس فهمي جورج

 حياتهما آيات من الإنجيل تعيش وتتكلم.. وسيرتهما نموذج إنجيلي تخصص في طاعة الكلمة؛ خلد اسميهما في سجل تاريخ الكنيسة المضيء.. حياتهما عالية وسامية؛ فساقتهما أقدامهما وأتوا إلى برية شيهيت كمختاريْن من المختارين؛ ومن المحسوبين ضمن المنارات والمدن الموضوعة على جبل؛ ولم يكن العالم مستحقًا لهما.


 أتيا من الكورة البعيدة وتركا غناهما وقصور الملوك؛ وازدريا بأملاكهما وترجّيا مُلك الحياة الأبدية؛ فجاءا إلى شيهيت؛ الموضع الذي توزن فيه القلوب والأفكار بمقاييس حقيقية، طالبين ومترجين الله من كل قلبيهما في كل حين؛ الأمر الذي لا يستطيع المنطق الإنساني كله مجتمعًا أن يوفيهما حقهما، وقد ارتفعا اسماهما وشاع ذكرهما وعطر سيرتهما بصيت الفضيلة واستقامة الروح.
 
إنهما الأبّا مكسيموس والأبّا دوماديوس أولاد ملك الروم؛ اللذان تسمى موضع سكنيهما بدير الروميين (البراموس).. تربيا تربية مسيحية غيورة، وصمما أن يصيرا راهبين؛ لما بلغا سن الشباب، فرحلا سرًا إلى نيقية ومنها إلى فلسطين؛ ثم إلى إسقيط مقاريوس بجبل النطرون في سنة ۳٧٠م تقريبًا.. تتلمذا للقديس مقاريوس الكبير؛ وهو الذي وافق على دخولهما في الشركة؛ وألبسهما منطقة الإسكيم ليتمنطقا بقوة وشجاعة الروح المعزي، وقبلا الشكل الرهباني لشيهيت، هذا اللبس الذي تكرهه الشياطين بسبب تقوى وصلاح أصحابه، وبسبب مقاومتهم لحيل المضاد وكل معقولاته الشريرة. وضع لهما القديس مقاريوس “قانون توبة” واشترك معهما في مائدة الخبز الجاف والماء.. كذلك علمهما صناعة ضفير الخوص وكيفية خياطتها بالمسلة؛ كعمل لليدين.
 
حلا من الشام إلى شيهيت ووجدا نفسيهما على صخرة الجبل المعروفة الآن بصخرة أولاد الملوك أو قارة أولاد الملوك؛ وهي صخرة شيهيت الأولى التي تُدعى أحيانًا بصخرة النسر إشارة إلى الأجنحة النارية التي كانت تخرج من فميهما عند الصلاة.. كان شيهيت في ذلك الزمان قد اشتهر بالجبل المقدس العظيم الشأن كأورشليم القدس؛ لذا جاء إليه الرهبان الأجانب؛ وقصده مكسيموس وأخوه دوماديوس؛ اللذان تركا الغنى والجاه ومجد العالم الباطل؛ وجاءا ليتعلموا حكمة الألفا فيتا التي أوصلتهما إلى الأوميجا أو النهاية السعيدة؛ حيث استقيا روح الرهبنة من أربابها؛ وحملا الشكر والفضل والجميل لأبي مقار الكبير ولآباء شيهيت الأقباط؛ الذين تشربا الروح والبركة من أفواههم؛ وتعلما منهم وعملا بها على قدر طاقتهما؛ حسب التدبير الذي نالوا به الذوكصا وأخذا الأكاليل التي لا تبلى.
 
أتيا الغريبان إلى أبي مقار في الإسقيط، وكان أحدهما متكامل اللحية (مكسيموس)؛ والآخر قد بدأت لحيته (دوماديوس)؛ فوجدهما الأب مقار في حالة ترف وغنى؛ وأنهما لن يحتملا سُكنى الجبال؛ لكنه ومع هذا دعاهما لكي يصنعا لهما قلاية في صخرة شيهيت الصلبة، فنحتا لهما مغارة وعاشا الوحدة والصمت؛ ولم يبرحا مكانهما إلا في يوم الرب يوم الأحد؛ حيث يمضيان ليتزودا بالزاد الإلهي وهما صامتان، وكانت مغارتهما تضيء في الليل كضوء النهار؛ وتنفتح السماء عند صلاتهما.. بينما الشياطين المعاندة كانت تتكاثر عليهما كالذباب؛ لكن ملائكة الله كانت تحيط بهما حاملة سيوفًا نارية؛ وتسيّج حولهما لتصد عنهما ضربات المكار؛ وقد عاين الأب مقار الكبير ألسنة النار (كحبال نارية) تصعد من فميهما عند ترديدهما للاسم المبارك (اسم يسوع المخلص).
 
وبعد نياحتهما كان كلما يأتي بعض الآباء عند الأبّا مقاريوس؛ يقودهم إلى قلايتهما قائلاً: تعالوا انظروا مكان استشهاد الغرباء الصغار؛ الذين أرضيا الله بأعمالهما.. (هلموا نعاين مكان شهادة الغرباء الصغار) اللذان حملا نور العبادة ونير الإنجيل.. ونحن أيضًا نمدح سيرة أولئك الذيْن بدلا الرومانية وأباهما لاونديوس وسكنا البرية؛ نمدح الذيْن خلعا التاجات وطرحاها عن الرؤوس محبة في ملك السموات الرب القدوس.. فزاد شرفهما ودخلا الفردوس؛ وعلى رؤوسهما تاجات.. أحبا سُكنى الجبال وتآنسا بالوحوش.. نمدح الذيْن صارا أهلاً للبطريركية وشفيا العلل؛ وقد صارا أجنادًا شجعان في الشام وجبل شيهيت؛ الجبل العظيم الشأن المتشبه بالفردوس، نمدحهما لأنهما صارا مصابيح دير البراموس؛ وقد افتخر بهما ثوب الرهبنة؛ وكُتبت أسماؤهما مع الآباء الرؤوس؛ ضمن الشبكة الروحانية التي جمعت من كل الجنوس.. شفاعتهما تشملنا؛ ولله العجيب فيهما كل مجد وسجود وكرامة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter