(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
 
في يوم الـ8 من شهر مايو/أيَّار لعام 2025، اُختيِر الأخ والأب الأغُسطينيّ "روبرت فرنسيس بريفوست"، وأسقف إيبارشيّة "شيكلاجو" البيرونيّة من قَبل،وكاردينال الكنيسة الكاثوليكيّة منذ 2023، ليكون البابا لاوُن الرَّابع عشر، البابا الـ267 للكنيسة الكاثوليكيّة. وجديرٌ بالذّكر أنّه أوّل بابا من أمريكا الشّماليّة، والثّاني على التّوالي من القارة الأمريكيّة، بعد البابا الأرجنتينيّ مثلّثالطّوبى البابا فرنسيس (1936-2025)، وأوّل بابا من الرّهبنة الأغُسطينيّة(نسبةً للقدّيس أغسطينُس).ولكي نفهم معًابضعةَ محاورٍمن الشّهر الأوّل من حبريّة البابا لاوُن الرَّابع عشر، أُقدّم هنا–على حَلَقَاتٍ مُتَسَلْسِلَة–عناصر وموضوعات متنوّعة قد برزتفي هذا الشّهر المنصرم،مستعينًابحزمةٍ من أقواله ذاتها.
 
أوّلًا: دلالةُ اسم البابا "لاوُن الرّابع عشر"
لقد تكرّر اسمُ "لاوُن" في قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة ثلاث عشر مرّة من قَبل.ولكنّ السّؤال الذي طُرِح: لماذا "لاوُن"؟ 
فبات من المعروف الآن للجميع أنّ اسم البابا الجديد مرتبطٌ بالبابا لاون الثّالث عشر (1978-1903)، آخر بابا قد اختار هذا الاسم قبل البابا المنتخب، وأوّل بابا يتنيّح في القرن العشرين. وقد كان من أكثر الباباوات تأثيرًا في التّاريخ، ولا سيّما في القرن التّاسع عشر. وهذا يعني أنّ البابا الجديد يريد أن يسير على خُطى البابا لاون الثّالث عشر في ما يخصّ بعض الأمور الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة؛ وأنّه مهمومٌ ومهتمٌّبالحقبة المعاصرةالمتّسمة بالتّقلّبات والتّغيّرات، وكذلك بتعليم الكنيسة المتعلّقبالقضايا الاجتماعيّة (كرامة الإنسان وكلّ إنسان، حقوق العمّال، العدالة الاقتصاديّة، والسّلام العادل والشّامل في العالم)، وتعزيز موقف انفتاح الكنيسة الكاثوليكيّة على الكنائس الأخرى، والأديان الأخرى، والثّقافات الأخرى، دون الانفصال عن التّقليد الكنسيّ الحي.
وفي هذا السّياق، شرح البابا لاوُن الرَّابع عشر ذاته دلالةَ اختيار هذا الاسم بعينه، فقال: «فكّرت في أن أتّخذ اسم لاوُن الرّابع عشر. كانت الأسباب مختلفة، ولكن السّبب الرّئيسيّ كان لأنّ البابا لاوُن الثّالث عشر، بالرّسالة البابويّة العامّة التّاريخيّة "في الشّؤون الجديدة - Rerum novarum"، تناول المسألة الاجتماعيّة في سياق أوّل ثورة صناعيّة كبرى، واليوم، تُقَدِّم الكنيسة للجميع تراثها من التّعليم الاجتماعيّ لتُجيب على ثورة صناعيّة جديدة وعلى تطوّرات الذّكاء الاصطناعيّ، التي تفرض تحدّيات جديدة للدّفاع عن كرامة الإنسان، والعدل، والعمل».
 
ثانيًا: جوانبٌ في شخصيّة البابا لاوُن الرّابع عشر
إنّ البابا أغُسطينيّ رهبنةً وفكرًا؛ ولذا، فالقدّيس أغسطينُس وشخصيّته وتعاليمه حاضرون حضورًا قويًّا وفعّالًا، ليس في شعار خدمته الأسقفيّة-البُطرسيّة فحسب ("في الواحد، نصير واحدًا")، وإنّما في أحاديثه وأقواله وتعبيراته كلّها. فمنذ اليوم الأوّل لاختياره (8 مايو/أيَّار2025)، صرّح قائلًا: «أنا ابن للقدّيس أغسطينس، أنا راهب أغسطينيّ، الذي قال: "معكم أنا مسيحيّ، ومن أجلكم أنا أسقف". بهذا المعنى يمكننا كلّنا أن نسير معًا نحو الوطن الذي أعدّه الله لنا».
إضافةً لكون البابا لاوُن الرّابع عشرأغُسطينيّ، فهو يقدّر جيّدًاشخصيّةمثلّثالطّوبى البابا فرنسيس وتعاليمه. لقد قال، في كلمته إلى مجمع الكرادلة (10 مايو/أيّار 2025): «في هذه اللحظة، الحزينة والمليئة بالفرح في آنٍ واحد، والتي تغمرها عناية الله بنور الفصح، أودّ أن ننظر معًا إلى رحيل الأب الأقدس البابا فرنسيس وإلى مجمع انتخاب البابا (الكونكلاف) كحدث فصحيّ، ومرحلة من مراحل الخروج الطّويل الذي يواصل فيه الرّبّ يسوع قيادتنا نحو ملء الحياة. وفي هذا المنظور لنوكل روح البابا الرّاحل ومستقبل الكنيسة أيضًا إلى "أَبي الرَّأفَةِ وإِلهِ كُلِّ عَزاء" (2 قورنتس 1، 3)». وفي كلمته أثناء صلاة "إفرحي يا ملكة السّماء"، في ختام القدّاس الإلهيّ في بداية حبريّته (18 مايو/أيّار 2025)، أفصح قائلًا: «أثناء القُدّاس، شعرتُ بحضور روحي قويّ للبابا فرنسيس، الذي يرافقنا من السّماء».
 
وأمَّا في كلمته الموجّهة إلى ممثِّلي الكنائس الأخرى والجماعات الكنسيّة، والأديان الأخرى (19 مايو/أيَّار 2025)، أوضح البابا لاوُن الرّابع عشر، في ما يتعلّق بتعاليم مثلّثالطّوبى البابا فرنسيس، ما يلي: «كانت الأخوّة الإنسانيّة الشّاملة من أهمّ سمات حبريّة البابا فرنسيس. وفي هذا المجال، دفعه الرّوح القدس حقًّا إلى التّقدُّم بخطى واسعة في الانفتاح والمبادرات التي بدأها أسلافي من الباباوات، لا سيّما منذ البابا القدّيس يوحنّا الثّالث والعشرين. وقد شجّع البابا، كاتب الرّسالة البابويّة العامّة، "كلّنا إخوة"، المسيرة المسكونيّة والحوار بين الأديان، وقام بذلك بشكل خاص بتنمية العلاقات الشّخصيّة، بطريقة تُعطي قيمة دائمًا للبعد الإنساني للّقاء، دون أن تُنقص شيئًا من الرّوابط الكنسيّة. ليَمنَحْنا الله أن نقتدي بشهادته!».
 
في هذا الشّهر المنصرم من حبريّته، أظهر البابا لاوُن الرّابع عشر–فعلًا وقولًا– أنّه رجلُ إيمانٍ وصلاة؛ وبالنّسبة له، «[...] الإيمانُ والصّلاةُ هما كالملح للطّعام، يعطيان النّكهة». إنّه –كإنسانٍ وبابا– يتميّزبنزعةواقعيّة أيضًا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أمام "مسؤولي الكوريا الرّومانيّة وموظفي الكرسي الرّسوليّ" (24 مايو/أيَّار2025)، أكّد بواقعيةٍ شديدة أنّ «الباباوات يعبرون، وتبقى الكوريا [الرّومانيّة]».
 
[يُتبَع]