كمال زاخر
الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا
التقيت الأنبا بنيامين مطران المنوفية في غضون عام 2015، فيما اتذكر فى أواخر شهر اغسطس، بينما يتهيأ نفر من شباب الأقباط لترتيب وقفة احتجاجية أمام الكاتدرائية، في توقيت كان الوطن فيه يمر بمرحلة انتقالية دقيقة، يصارع فيها العديد من القوى المتربصة به وبمشروعه الحضارى، وتمر الكنيسة بمرحلة انتقالية مثيلة، وتواجه ضغوطاً لإعاقة خروجها والانتصار على المعوقات متعددة المصادر، سواء من تيارات الجمود التي ترفض التواصل مع الكنائس الآخرى، وتعويض السنين التي أكلها الجراد، وتحديث أدواتها بما يتفق واحتياجات رعيتها وأجيالها الجديدة، أو من تيارات المصالح التي تشكلت في عصور مضت، أو من يعتبرونها المعوق الأساسى أمام تحقيق رؤيتهم وسعى اختطاف الوطن، في ردة حضارية مدمرة.
تلقيت دعوة من مكتب المتحدث الإعلامي للكنيسة وقتها الأب القس بولس حليم لاجتماع يضم ممثلين لهؤلاء الشباب، وهناك فوجئت بحضور الأب المطران الأنبا بنيامين، وقيل أنه جاء استجابة لطلب هؤلاء الشباب، وفي هذا الاجتماع دار النقاش حول خطورة هذه الوقفة في هذا التوقيت وانتهينا إلى صياغة بيان تم توقيعه من المجتمعين، يعلن الغاء الوقفة وخضوع منظميها للكنيسة وتقديرهم لقداسة البابا.
كانت المرة الأولى التى التقي فيها الأب المطران، والذي وجدته حذرا متحفظاً مستوعباً لدقة وحساسية اللحظة، وكان لوجوده أثره في تراجع اصحاب الدعوة للاحتجاج والغائهم لوقفتهم، التي كان مقرراً لها الأربعاء 9 سبتمبر 2015، حيث تحتشد الكاتدرائية برواد اجتماع البابا الإسبوعي.
لكن من يتزعم هذه المجموعة ولأسباب تلاحقه هرب إلى كوريا (!!) ليواصل من هناك مناوئة البابا والكنيسة، ويواصل ترديده دعم الأب المطران له، الذى ينشر علي صفحة تحمل اسمه اسسها ملتقى محبي الاسد الانبا بنيامين في 24 اغسطس 2021، نفياً قاطعاً لعلاقته به كان نصه:
تحذير
وحيد منير ميخائيل شنودة هارب منذ خمس سنوات
حاصل علي اعدادية وليس مهندسا كما يدعي .
ولاعلاقة لنا به نرفض تطاوله وتشهيره بقداسة
البابا تواضروس الثاني وآباء الكنيسة واستخدام اسمنا
واسم الابروشية لترهيب ضحاياه امر مرفوض تماما
ولا علاقة لنا باي تعاملات مادية تخصه من قريب او بعيد
مع شخصه حيث دأب الحصول علي اموال
دون وجه حق وايضا سبق وحذرنا مرارا وتكرارا
ونرفض تشهيره بالسيدات والعائلات المحترمة
فهذا امر مشين ولايمت للمسيحية .
المدعو وحيد شنودة لاجئ بكوريا ولايقيم في مصر
وعليه مجموعة احكام قضائية بسبب اتهامات
بتهمة التشهير والابتزاز .
وابن الطاعة تحل عليه البركة .
وكان هذا التحرك الايجابي محل تقدير واحترام من القوى الوطنية والكنسية، فنحن أمام كادر ديني ينحي الخلافات جانباً عندما يكون سلام الكنيسة واستقرارها محل خطر.
فى مطلع العام 2024 تتفجر أزمة جديدة في ايبارشية المنوفية بين الأب مطران الإيبارشية وبين واحد من شبابها، بدأت بحسب ما توافر من معلومات وجدت طريقها للمواقع الإخبارية، بخلاف بين الشاب وبين أحد الكهنة هناك، ربما بسبب اختلاف وجهات النظر بينهما في شأن فكري كنسي، تطور إلى صدام بينهما، انتهى برفع الأمر إلى الأب مطران المنوفية، الذى اصدر قراره بمنعه من الاقتراب من الأسرار المقدسة (التناول).
الشاب ويدعى كيرلس ناشد، يعمل معيداً بكلية الهندسة جامعة المنوفية، وهو الأمر الذي دعاه للاستقرار بالقرب من مقر عمله، الوافد اليها من مدينته بالأقصر، وبحسب ما نشر (أنه في 3 يناير 2024، توجه كيرلس إلى قسم شرطة منوف لتحرير المحضر رقم 57 لسنة 2024 إداري قسم منوف، والشكوى "من تضرره من شخصين مجهولين حضرا إلى مقر عمله وقاما بتهديده"، إلا أنه فوجئ باحتجازه بدعوى وجود أمر ضبط وإحضار له على ذمة تحقيقات تجريها نيابة منوف الجزئية، على خلفية محضر ، مقدم من محام نيابة عن الأنبا بنيامين.)
تصاعد الصدام ليجد الشاب تفسه مقدما للمحاكمة بتهم "ازدارء الديانة المسيحية، والاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة للأنبا بنيامين، وسبه وقذفه بطريق التليفون، وتعمُّد مضايقة المجني عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصال". التي تقضى ببراءته من تهمتي ازدراء المسيحية وإنشاء وإدارة حساب على فيسبوك بهدف ارتكاب الجرائم السابقة، وادانته فيما نسب إليه بتعمُّد إزعاج الأنبا بنيامين، مطران المنوفية، وإساءة استعمال أجهزة الاتصال وتقضي بحبسه لمدة 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ وتغريمه مبلغ 100 ألف جنيه وإلزامه بتعويض قدره 20 ألف جنيه، ويستأنف كيرلس الحكم أمام محكمة الجنح الاقتصادية المستأنفة بطنطا، التي تقضى بتأييد الحكم، وهو الحكم الذي ايدته محكمة النقض قبل أيام.
واستأذن الاب المطران وآباء المجمع المقدس، في أن استعير ما كتبه القديس بولس الرسول في رسالته الثانية لكنيسة كورنثوس، فى الحكم الذي اصدرته الكنيسة بقطع أحد مؤمنيها بعد ادانته في جريمة شنعاء جاءت تفاصيلها فى رسالته الأولي، وأيد القديس وقتها الحكم، ليعود في رسالته الثانية ليؤسس لمفهوم العقوبة وهدفها في الكنيسة فيكتب (مِثْلُ هذَا يَكْفِيهِ هذَا الْقِصَاصُ الَّذِي مِنَ الأَكْثَرِينَ، حَتَّى تَكُونُوا بِالْعَكْسِ تُسَامِحُونَهُ بِالْحَرِيِّ وَتُعَزُّونَهُ، لِئَلاَّ يُبْتَلَعَ مِثْلُ هذَا مِنَ الْحُزْنِ الْمُفْرِطِ. لِذلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ) (2 كو 2: 6 ـ 😎.
وهو نفس المنهج الذي وجه به كنيسة غلاطية (أيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا. اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ.) (غل 6 : 1و 2).
اقدر غضب الأب المطران لكنني أيضاً أدرك أنه بحسب الكنيسة أب يسعي لخلاص ابنائه، ويملك من الحكمة ما يدفعه لقبول هذا الشاب الناجح والساعي للتحقق، وانتظر وأنتم تجتمعون، في عيد حلول الروح القدس، لتأكيد هدف الكنيسة وسعيها وتتدارسون كيفية تدبيرها تدبيراً حسناً في مواجهة واقع مقاوم ومعاند متحالف لتعويق مسيرتها، انتظر أن تتأسوا بمنهج معلمنا القديس بولس الرسول، بالسعي لدى الأب المطران بالتصالح مع ابنه، ونحمي إبن الكنيسة من تعثر مستقبله، هكذا تكون الأبوة، وهكذا نفرح قلب المسيح.