بقلم د.ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر 
 وهي على بعد 37 كم غرب العريش، وكانت تسمى بالفلوسيات وكانت مدينة محصنة في العصر البيزنطى وبها ثلاث كنائس.
 
الفلوسيات:
تقع إلى الغرب من العريش بحوالي 35 كم تقريبًا بالقرب من البحر، وهي من المحطات الهامة على الطريق يقع نصفها فوق كثيب رملي مرتفع نوعًا، ويقع النصف الآخر فوق أرض ملحية يغير ماء البحر عليها ويصعب أنْ تصل الإبل إليها.. هذه التسمية حديثة ربما تكون مشتقة من الفلوس لكثرة ما يجد الناس من عملة قديمة، هذا الموضع في الغالب مكان استراكين التي سماها كتاب العرب المخلصة. ويشير أميلينو وغيره من الكُتَّاب الذين كتبوا في القرن التاسع عشر إلى وجود قرية في هذا الموضع تعرف باسم Straki وهذا الاسم غير معروف في سيناء الآن ولعلَّه كان موجودًا ثم نُسيَ منذ عهد قريب، وأستراكين كانت لها أهميتها الحربية بصفتها واقعة على تفرع الطريق الساحلي في شمال البردويل والطريق الذي كان يسير جنوب البحيرة إلى وادي النيل. ولقد لفت هذا الموقع نظر الامبراطور فاسباسيان Vaspasian حين كان يهاجم سوريا فاهتــم به، وإنْ كان الاهتمام الأكبر كان أيــام جُستينيان الذي وسَّعَ المدينة وأوصلَ مبانيها إلى البحر، وأصبحت المدينة مركزًا لكرسي ديني هام  وكانت هذه المدينة عامرة في العصر المسيحي وكان لها أسقف،  وعرفت باسم المخلصة وذلك بعد الفتح العربي وأطلق عليها بعض الكتاب والمؤرخين اسم الورادة مثل ابن خرداذبة في المسالك والممالك – قدامة الجغرافي.
 
قال القاضي الفاضل في متجددات شهر محرم 577 هـ [وصابحنا الواردة فبتنا على ميناء الواردة ودخلنا الورادة فرأيتُ تاريخ منارة جامعها سنة ثمان وأربعمائة واسم الحاكم بأمر الله عليها، والورادة من جملة الجفار ويقال أخذ اسمها من الورود ولم يزل جامعها عامرًا تقام به الجمعة إلى ما بعد السبعمائة].
 
الفلوسيات "مدينة الواردة حاليًا" تعتبر أهم المناطق على الطريق الساحلي وكانت تُعرَف باسم "أوستراسين" وتقع في الطريق الشـرقي من بحيرة البردويل حاليًا "سيربونيس القديمة" وهي تحتل موقعًا إستراتيجيًا هامًا حيث أنها نقطة التقاء وانقسام الطريق الساحلي الشمالي ما بين البحر والبحيرة والطريق الرملي الجنوبي جنوب البحيرة، وكانت مدينة الفلوسيات مدينة مسيحية في العصـر البيزنطي المسيحي وكان يُطلَق عليها اسم المخلصة وقد هُدمَت في أثناء الإحتلال الإسـلامي لمصـر، كما هاجمتها مياه البحر وطغت عليها فخربت، وكان هذا سببًا في ظهور مدينة جديدة وهي "الواردة".
 
والفلوسيات تشتمل على مدينة محصنة ترجع إلى العصر المسيحي وهي عبارة عـن حصـن وثـلاث كنائس وبعض ملحقات هذه الكنائس، والذي قام بالكشف عن هذا الحصن وكنيستين هو العالم كليـدا عام ١٩١٤ م، أمَّا الكنيسة الثالثة قد تمَّ الكشفُ عنها بواسطة جامعة بن جوريون الإسرائيلية أثنـاء إحتلالهم سيناء بعد حرب ١٩٦٧م. وكان أول من قام بالكشوف الأثرية هو كليدا Cledat من حوالي ١٩٠٥ - ١٩١٤م. فاكتشف الحصن وكنيستين وتقع الكنيستان في وسط منطقة الملاحات بمحمية الزرانيق التي تبعد حوالي ٣٧ كم غرب العريش في نهاية الطريق الأسفلتى الواصل للملاحات، وبها بعض الجُزُر التي يقع عليها آثـار هـذه الكنائس أمَّا الكنيسة الثالثة فقد اكتشفتها جامعة بن جوريون الإسـرائيلية بعـد أنْ وقعـت سيناء في قبضتها بعد حرب ١٩٦٧م، وهذه الكنيسة المكتشفة ترجع للقرن السادس الميلادي أي قبل احتلال العرب مصر وتشبه كنائس الشام ذات الحنية الكبيرة في الشرق وحول الثرونوس المَمَرّ، وهـي على الطراز البازيليكى وهو المبنى القائم على أعمدة وعلى جابني الهيكل حجرتـان بمـدخل جميـل بأعمدة طبقًا لنظام الكنائس الأرثوذكسي، وصحن الكنيسة به ستة أعمدة وفي الغـرب فنـاء تحيطـه الأعمدة atrium ووسطه حوض ماء.
 
آثار كنيسة الفلوسيات - غرب العريش بواقي جدران كنيسة الفلوسيات لا يزيد ارتفاعها عن متر بعد أنْ تعرَّضَت الأعمدة الرخاميـة الجميلـة وأحجارها للنهب والسرقة من جانب العرب المسلمين، ولا يزيد ارتفاع حوائطها اليوم عن المتر، وقـد نقل الإسرائيليون الآثار التي وجدوها في هذه الكنيسة إلى متاحف إسرائيل.
 
وهناك الخزانات المائية وملحقاتها التي اكتشفتها مصلحة الآثار في مصر سـنة١٩٩١ - ١٩٩٢ م. فـي نهاية طريق الملاحات بالقرب من محمية الزرانيق. وعند السير في الطريق الضيق الغربي نصل إلـى موقع الآثار وبها خزانان ضخمان للمياه بأكتاف حجرية لحمايته، ويتوسطها سلالم وقـد وضعت رسومات لهذه الكنائس. وبعد ذلك سارت العائلة المقدسة إلى منطقة كانت تسمى قديمًا بدير النصارى وسميت بعد ذلك "القلس".
 
وردت في معجم البلدان جـ8 صـ411: [الورادة منزل في طريق مصر من الشام وسط الرمل والماء والملح، من أعمال الجفار. فيها سوق للمتعيشين ومنازل لهم، ومسجد، ومبرحه للحمام تُكتَب الرسائل وتُعلَّق على أجنحتها وتُرسَل إلى مصر بالوارد والصادر. وكانت قديمًا مدينة بها جامع وسوق وفنادق وكان يحرسها عدد من الجند]. وجاء في الخطط لعلي مبارك جـ17 صـ57 وتسمى الباردة وبالبحث عن الورادة تبين أنَّ مكانها محطة المزار. 
والفلوسيات مدينة كبيرة محصنة كشفت الحفائر بها عن حصن في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، وقام الأثري جان كليدا بإجراء حفائر بها 1914 م. وكشفت عن كنيستين وحصن. وكشفت حفائر جامعة بن جوريون الإسرائيلية عن كنيسة ثالثة على 76، 1977 م. أثناء فترة الاحتلال لسيناء وكشفت حفائر المجلس الأعلى للآثار عن خان كبير يرجع إلى العصر الفاطمي مساحته 55م × 54م مكون من صحن وأربع مظلات.
 

الكنائس التي تم الكشف عنها
الكنيسة الجنوبية:
حفرها كليدا 1914 م. وهي مستطيلة طولها 62 م وعرضها 22 م. ارتفاع الجدران عند الكشف عنها 1.30م وكانت مبلطة بالرخام - مادة البناء الحجر الكلسي الرسوبي وهي مادة البناء السائدة والمنتشرة في هذه المنطقة. وهي ناتج الرواسب البحرية على الساحل بالإضافة إلى الحجر الجيري المجلوب من وسط سيناء وذلك على العكس من مادة البناء في مدينة الفرما وهي الطوب الأحمر لوقوعها على مصب الفرع البيلوزي. وتبدأ الكنيسة برواق مستعرض أو مقدمة الكنيسة في الغرب والمدخل عمودي على شرقية الكنيسة وله باب آخر في الشمال بفتح الرواق المستعرض على الأثربوم وهو مربع طول      ضلعه 18م كان مغطى من ثلاث جهــات. 
 
وسقفه محمول على أعمدة صغيرة ودعامات، والجزء الأوسط مكشوف وبه حَجَرا طاحونة. وفي الجدار الشرقي للأثريوم ثلاثة مداخل تؤدي إلى صحن الكنيسـة وطوله 34م وعرضه 19.50م عبارة عن ثلاثة أروقة يفصل بينهما صفان من الأعمدة، بكل صف 9 أعمدة من الرخام محمولة على قواعد لا تزال بقاياها تدل عليها ويوجد في نهاية الصحن من ناحية الشرق الخورس ثم الهيكل وشرقية الكنيسة، وعلى جانبـي الشرقية توجد فتحتان للأبواب تؤديان إلى حجرات مربعة خدمية. حالة الكنيسة سيئة للغاية نظرًا لطغيان البحر عليها لفترات طويلة والظروف الجوية والأمطار وكثرة الأملاح الأرضية والجوية. 
 
الكنيسة الشمالية: 
حفرها كليدا 1914 م. وهي الآن مُدَمَّرة تمامًا ولا يوجد منها إلَّا آثار قليلة لا تدل عليها بفعل العوامل الجوية وطبيعة المنطقة التي أشرنا إليها. وهي تشبه تخطيط الكنيسة الأولى الجنوبية حيث التخطيط البازيليكي. ويتقدم الكنيسة الأثريوم في الغرب وهو مربع طول ضلعه 11م ثم الرواق المستعرض. ثم صحن الكنيسة ويبلغ طوله 20م وينقسم إلى ثلاثة أروقة يفصل بينها صفان من الأعمدة بكل صف خمسة أعمدة ودعامتان. 

الكنيسة الغربية:
تمَّ الكشف عنها عام 76، 1977 م. بواسطة جامعة بن جوريون الإسرائيلية أثناء فترة الاحتلال لسيناء. وتقع على بعد 70 م شمال الكنيسة الأولى الجنوبية. وتخطيط الكنيسة بازيليكي ويتقدم الكنيسة من الغرب الأثريوم وهو مستطيل من الشمال إلى الجنوب، وكان مكشوفًا من الوسط تحيط به ممرات مغطاة محمول سقفها على أعمدة صغيرة في الأركان ودعامات تأخذ شكل حرف L.
 
  ويوجد بالأثريوم صحن الكنيسة ويتم الدخول إليه عن طريق ثلاثة مداخل بالجدار الشرقي للاثريوم، وصحن الكنيسة به صفان من الأعمدة والدعامات، يوجد بكل صف أربعة أعمدة ودعامة تحمل ستة عقود تحمل بدورها سقف الكنيسة الذي كان فيما يبدو على شكل جمالوني وهو ما يتناسب مع طبيعة المكان والبيئة وكثرة الأمطار، وينتهي الصحن بالهيكل ثم الشرقية يتقدمها خمس درجات نصف دائرية، وعلى جانبي الشرقية حجرات خدمية ويتم الدخول إليها من الأروقة الجانبية.
 
والكنيسة أصغر من الكنيسة الأولى والثانية بالمنطقة، وتؤرخ بالقرن الخامس الميلادي بناءً على الشمعدانات أو المسارج أو العملة خاصة الذهبية منها. وتم بناء الأعمدة من نفس الحجر الذي بنيت به جدران الكنيسة.  والكنيسة أكثر اتساعًا وأقل طولًا من الكنيسة الأولى والثانية.