ماهر الجاولي - مراسل الأقباط متحدون - شيكاجو
 
قامت هذه الفتاة صغيرة السن عظيمة الإيمان بالركوع لقداسة البابا لاون الرابع عشر في قداس تنصيبه، تعلقت أنظار العالم بصورة الفتاة الراكعة بخشوع لقداسة البابا، غير أن الكثير لم ينتبه بأي ركبةٍ استقرَّت الفتاة على الأرض. 
 
هذا المشهد "مشهد الركوع" في بساطته الظاهرة، يُخفي خلفه تاريخًا طويلًا من الرموز اللاهوتية والإنسانية في آن.
 
عندما يركع الكاثوليك أمام القربان المقدس، فإنهم يفعلونها بالركبة اليمنى ملامسة للأرض في إعلان صامت يقول: ها أنا أمام الله الإله.
 
أما حين يركع العلمانيون أمام البابا، فإنهم ينزلون بركبتهم اليسرى أمام إنسان هو خليفة القديس بطرس، ونائب المسيح، 
 
قد يبدو التفصيل تافهًا. من يهتم إن كانت الركبة يمينًا أم يسارًا؟
 
لكنّ الكنيسة تهتم. والرمزية تهتم. والعقيدة تهتم.
 
فالركبة اليمنى حُجزت منذ قرون لفعل السجود الإلهي، بينما اليسرى بقيت لفعل الاحترام البشري. لا يُسجَد إلا لله، 
 
الأمر ليس مسألة بروتوكول فارغ. الكنيسة الكاثوليكية فهمت خطورة المزج بين العبادة والسلطة، بين الاحترام والألوهية. 
 
فعل الركوع، الذي تعلمناه من تلك  الفتاة الصغيرة في قداس تنصيب، هو درس في التمييز: أن تعرف أين ينتهي الإنسان، وأين يبدأ الله.
 
وهنا يبرز سؤالاً أكثر أهمية: وهل يحتاج الله إلى الركوع؟
 
والجواب: الركوع ليس لله، بل للإنسان. إنه تمرين على تواضع الجسد أمام عظمة خالق الجسد.
 
وهكذا تحتفظ الكنيسة بمكانة الله العليا بالركوع علي الركبة اليمني، وتحفظ بمكانة الإنسان بالركوع علي الركبة اليسري 
 
فالركوع — قبل أن يكون طقسًا — هو وعيٌ بمقام من تركع له.
 
ولإلهنا ينبغي السجود، ولرعاتنا ينبغي الإحترام والتبجيل.