بقلم د. ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر


       يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: هذه أيضا علامة أنه صعد إلى السماء، إذ لم تحمله نار كما في حالة إيليا، ولا مركبات نارية، بل "أخذته سحابة"، بكونها رمزًا للسماء، كما يقول النبي: "جعل السحاب مركبته" (مز 104: 3)، فقد قيل هذا عن الآب نفسه. لذلك يقول: "على السحاب" بطريقة رمزية حيث يود أن يتحدث عن القوة الإلهية، فإنه لا توجد قوة أخرى تُرى على السحاب. اسمع أيضًا ما يقوله نبي آخر: "يجلس الرب على سحابة خفيفة " (إش 19: 1)... أيضًا على الجبل حلّ السحاب بسبب الله، حيث دخل موسى في الظلمة، ولم يكن السحاب بسبب موسى.

     يقول القديس أغسطينوس: صعد إلى السماوات ولم يعد بعد هنا (بالجسد). حقًا إنه جالس هناك عن يمين الآب، وهو أيضًا هنا دون أن ينسحب قط عن حضرة مجده.

     حيث قدم لنا الإنجيلي لوقا هذا المشهد الحقيقي المثير والبديع لصعود السيد المسيح إلى السماء، وقد أخذته سحابة عن أعين تلاميذه. يقول المرتل: "الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح" (مز 104: 3). ويقول دانيال النبي: "كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان، أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه..." (دا 7: 13). يشير السحاب إلى السمو الفائق والجلال الإلهي (تث ٤: ١١؛ ٢صم ٢٢: ١٢؛ مز ٩٧: ٢)، كما يشير إلى الشكيناه Shekinah كمجدٍ يمثل الحضرة الإلهية (خر ٣٣: ٧–١١؛ ٤٠: ٣٤؛ مر ٩: ٧(.

كنيسة الصعود
"وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم إنفرد عنهم وُأصعد إلى السماء. فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم" (لوقا 24 : 5)

تاريخ بناء الكنيسة: بعد أربعين يوماً من قيامته، أخذ الرب يسوع تلاميذه فوق قمة جبل الزيتون، بالقرب من بيت عنيا، وباركهم ثم صعد إلى السماء، وتحتفل الكنيسة بتذكار هذا الحدث فى يوم عيد الصعود. وما كان المسيحيون لينسوا مكاناً تم فيه حدث كبير كهذا ... فحفظ لنا التقليد المسلَّم  المكان بالضبط حيث صعد رب المجد إلى الأعالى. وقد شيدت الملكة هيلانة كنيسة جميلة فى مكان الصعود، وفى سنة 378 م، أقيم مبنى مستدير بأمر من الأميرة الرومانية بومينة، فى نفس المكان. إلا أن الفرس هدموا الكنيسة وما حولها فى سنة 614م. فأعاد بناؤها الراهب موديستو. ووصف لنا أركولفو أسقف جاليا الذي أقام في الأرض المقدسة طيلة ستة شهور عام 670 الكنيسة كبناء مستدير مفتوح السقف وكأني به يشير للجميع إلى الطريق للسماء. وفي وسطها برج على ارتفاع الإنسان يحفظ في داخله التراب الذي داس عليه المخلص في صعوده وهذه الكنيسة أيضاً تهدمت، فأعاد بناؤها الصليبيون فى القرن الحادى عشر، على شكل دائرى مثمن الأضلاع، وسُمى البناء "أمبومون" أى "على القمة" كان عبارة عن بهو مستدير، وتكسو أرضيته الفسيفساء وقطع الرخام، وقطرة يقارب 25 متراً، ويحمل السقف والقبة ثلاثة صفوف من الأعمدة ذات مركز واحد، يؤلف روافين من الداخل وفى وسط البهو، كانت الصخرة المباركة التى من فوقها أنطلق الرب يسوع إلى السماء والتى آثار قدميه مطبوعة على الحجر والمذبح فوقها.

وفى سنة 1187م، أنتقل المكان إلى أيدى المسلمين، الذين غطوه بالقبة الحالية والتى تسمى "قبة الصعود" وهى الجزء المتبقى من كنيسة الصعود وتحوى داخلها الصخرة المباركة حتى الآن، ومازال أثار أقدام الرب يسوع مطبوعة عليه، والعديد من الزوار يتباركون منها. أما الساحة الكبيرة التى يحيط بها سور، ففيها تقام عدة مذابح، فى عشية عيد الصعود، لكل طائفة مذبح. وللكنيسة القبطية الأرثوذكسية حق إقامة مذبح والصلاة عليه فى عشية ويوم عيد الصعود المجيد.

عادات الاقباط فى عيد الصعود على جبل الزيتون
ويذهب بعض الرهبان والشمامسة الاقباط الى موضع الصعود الساعة الخامسة صباحا و معهم الخيمة وكل مشتملتها و كل ادوات المذبح ملابس الخدمة الخاصة بالمطران والكهنة مثل البرنس والصدره، ثم يقوموا بنصب الخيمة فى الجانب الشرقى وفرش السجاجيد وتعليق الايقونات وفرش المذبح المقدس ثم ينزل الجميع حتي يعودا مع الموكب وباقي احد الرهبان فى حراسة الخيمة. ويصلى الأقباط على مذبحهم عشيه عيد الصعود من الثانيه ونصف إلى الخامسه بعد الظهر مساء وتشمل الصلاه دوره حول القبه، ودورات تبخيرية وصلاة بداخل القبة فى مكان الصعود، ثم يعود الموكب إلى البطريركية ويبقى بعض الرهبان و الشمامسة لحراسة الخيمة و صلاة تسبحة نصف الليل. وفى صباح عيد الصعود يقام القداس من الساعه السابعه ونصف صباحا، حيث يصل موكب الاقباط ويزور مكان الصعود ثم يتوجه إلي الخيمة لاقامة الصلاة التى تستمر إلى العاشره صباحا فوق لوح المذبح الذى يوضع على بناء دائم من الحجر ويقوم الشماسة اثناء القداس بدورات تبخيرية حول القبة، وتنتهى الصلاه بدوره حول القبه، وفى نهاية الصلاة يزورون مكان الصعود، وزيارة شيخ المسجد وأثناء ذلك يقوم الشمامسة بفك الخيمة ثم يعودون بموكبهم إلى البطريركية.