د. ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر

موقع قطاع غزة له مكانة مهمة في تاريخ فلسطين. فقد ضمن هذا الموقع للمدينة وللمنطقة دوراً مهماً في السياسة والتجارة الدولية منذ أقدم العصور حتى وقتنا الحاضر. ويمكن اليوم مشاهدة تشكيلة واسعة من الدلائل الأثرية في غزة، تمثل المخلفات الحضارية لحوالي سبعة الاف سنة من التاريخ. وللمدينة قصة تربطها بكل عصر وبكل حضارة من هذه الحضارات. كانت غزة ومازالت منطقة جذب للكثير من الحضارات والناس على مر التاريخ، وقد تنازعت عليها واحتلها معظم القوى التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط

الموقع:  تقع المدينة على بعد ٢٣ كم جنوبي عسقلان. وعلى بعد 104 كم الى الجنوب الغربي من القدس. ولا يحتفظ هذا المركز السكني من المجد القديم إلا بالأسم. ويقع الجزء التاريخي المهم من غزة في وسط المدينة الحالية، ويمتد لمسافة عدة دقائق من مركز المدين، " دوار فلسطين " الواقع في قلب المدينة. بنيت مدينة غزة القديمة على تلة مساحتها كيلو متر مربع، وترتفع 45 م فوق سطح البحر. هذا التل مغطى بالبيوت الحديثة حتى أكتوبر 2023م، ولذلك تمت الحفريات في أجزاء منه فقط , وقد دلت الحفريات على ان المدينة كانت محاطة بسور عظيم مع ابواب، أهمها ت: باب مايوماس مقابل البحر، وباب عسقلان في الشمال، وباب الخليل في الشرق، وباب الداروم في الجنوب. وكان يتم إغلاق البيوت عند غروب الشمس فتصير المدينة كالقلعة بوجه الأعداء. ثم توسعت المدينة في الفترات اللاحقة باتجاه الشمال والجنوب والشرق. على الخارطة البيزنطية الفسيفسائية فى مأدبا التيى يعود تاريخها الى الجزء الأخير من حكم جستينيان ( 527 – 565 م )، صورت غزة على انها ثاني اكبر مدينة في فلسطين بعد القدس، وظهرت فيها الشوارع المعمدة والمباني العامة والأٍسواق، ويظهر فيها ايضا بناء نصف دائري قد يكون مسرحاً.

وهي بذلك واحد من اكبر واهم المدن الفلسطينية تقع غزة على الطريق التجاري الساحلي القديم الذي كان يربط مصر بفلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين، والذى اطلق عليه الفراعنة اسم " طريق حورس "، وهو الطريق المذكور في العهد القديم باسم " الطريق إلى أرض الفلسطينيين "، وفي العهد اليوناني والروماني باسم فيا مارس، أي الطريق البحري. كذلك تميزت المدينة منذ العصر الآشوري حتى العصر اليوناني بوجود مينائها البحري القديم أنثيدون الذى يعنى المكان المزدهر، الواقعة اطلاله اليوم على الشاطئ الشمالي الغربي للمدينة، ثم ميناء آخر ازدهر خلال العصر الروماني والبيزنطي كانيطلق عليه اسم مايوماس، وفي عهد الإمبراطور قسطنطين اسم قسطنطينة. هذا الميناءان كانا يربطان غزة وبلاد العرب بموانئ البحر الأبيض المتوسط. هناك

التسمية:  آراء مختلفة في معني الاسم " غزة ": فالبعض ينسب الكملة لأصل كنعاني ويقول: إن معناه " قوة " والبعض الآخر يقول: إن الفرس سموها "هازانوت " ومعناه الكنز، لأنهم اعتقدوا أن كنزا مدفونا هناك اما العرب فقد سموها غزة هاشم نسبة الى جد النبي محمد، الذى يقال انه مات خلال احدى رحلاته التجارية.

نبذة تاريخية عن غزة:
يعود تاريخ أول أستيطان بشري في غزة الى أكثر من 6000 سنة من الآن، حين شيد أهالي غزة القدماء أول قري لهم على أراضي الرعي التابعة لوادي غزة. عاش هؤلاء السكان الأوائل على زراعة الحبوب والصيد البري وصيد السمك في وادى غزو. وبدأ الكنعانيون بتطوير مراكز مدينة لهم هنا عند حوالي سنة 3000 ق. م. ويعتبركثيرة تل العجول الواقع على الجهة الشمالية من وادى غزة أول عاصمة سياسية للمنطقة. ومعظم المخلفات الأثرية الكثيرة المكتشفة هناك معروضة اليوم في متحف روكفلر ( المتحف الفلسطيني سابقاً ) في القدس الشرقية. بعد ذلك بفترة وجيزة سيطرت مصر الفرعونية على غزة، واختار الفراعنة  المدينة لتكون العاصمة الإدارية للحكم المصري في بلاد كنعان خلال معظم العصور البرونزية، كانت غزة بلدة كنعانية عريقة تحت الحكم المصري حيث احتلها تطمسيس الثالث وهي مذكورة في مخطوطات تل العمارنة. وأصبحت منذ القرن الخامس عشر ق. م. إحدى مدن الاتحاد الخماسي الفلسطيني.

غزة هي أول مدينة فلسطينية تدخل السجلات التاريخية، فالنصوص المصرية القديمة تذكرها كمدينة رئيسية منذ أواسط العصر البرونزي.

وخصوصا بعد طرد الكسوس من مصر عام 1580 قبل الميلاد. وقد أسهم دور غزة كميناء رئيسي للفلسطينيين في العصر الحديدي المبكر ( 1200 – 1050 قبل الميلاد ) في صعود مكانتها الى القمة. بناء علىما ورد ذكره في العهد القديم ( 1 صموئيل 13: 19 – 22 )، فإن الفلسطينيين ادخلوا الحديد للمنطقة واحتكروه خلال معظم العصر الحديدي المبكر. وخلال هذا العصر أصبح ميناء غزة الأنشط في البلاد، إن لم يكن في كل منطقة شرقي البحر الابيض المتوسط. ويعد اكتشاف خزفيات فينيقية على تل دوكيش قرب دير البلح شاهداً على صلات غزة القوية مع العالم الخارجي وخاصة مع شمال افريقيا. وقد عانت غزة مثل باقي المدن الفلسطينية من الحروب الكثيرة بين القوى الدولية في الفترة المتأخرة من العصري الحديدي، خصوصاً الحروب بين فراعنة مصر وحكام آشور وبابل في بلاد ما بين النهرين ( العراق ).

  إما غزة فوقعت من نصيب سبط يهوذا الذي احتلها بعد موت يشوع ( قضاة ١: ١٨ ).

قضاة ١٦: ١٣ - ذُكرت المدينة في الكتاب المقدس كمركز لأهم أعمال شمشون الشعبية. وشمشون هذا هو آخر قضاة إسرائيل المذكورين في الكتاب المقدس. سجنه الفلسطينيون بعد أن خانته دليلة التي كسبت ثقته وجعلته يفشي لها سر قوته العجيبة الكامنة في شعره الذي لم يقربه مقص منذ ولادته نذرا لله. وبعد أن فقأ أعداؤه عينيه، نما شعره واستعاد قواه العجيبة فدمر الهيكل على رؤوسهم صارخا: " لتمت نفسي مع الفلسطينيين ".

٧٣٤ ق. م. كانت غزة أيام سليمان الملك علامة حدود الدولة العبرية الجنوبية. ثم احتلها سرجون الثاني الذي دمر السامرة. ويبدو أن المدينة ظلّت تتمتع بنوع من الاستقلالية إلى أن دمرها الاسكندر المقدونى.

عندما اندلعت الثورة اليهودية ضد الرومان دمر الثوار غزة تماما.

أعمال ٨: ٢٦ - ذكرت غزة في العهد الجديد صدفة في رواية الشماس فيليبوس الذي التقى بالحبشي وعمده في طريقه من القدس إلى غزة.

دخلت المسيحية غزة وضواحيها خلال فترة الاضطهاد. ويروي أوسابيوس في كتابه " تاريخ الكنيسة " عن المطارنة الذين شُهد لإيمانهم باستشهادهم. ويقول: " من بين شهداء فلسطين سيلفانو مطران الكنائس في محيط غزة وقد قطع رأسه في مناجم النحاس".

احتل الاسكندر الكبير غزة سنة 332 قبل الميلاد، ولكن احتلالها لم يمر دون قتال، فقد قاومت المدينة هذا الملك العظيم وتحملت حصاره لها مدة شهرين.ولكن في النهاية سقطت، ومن لم يذبح من سكانها بيع كما يباع العبيد. احتل الرومان المدينة سنة 64 قبل الميلاد، وسلمها الإمبراطور أغسطس لهيرودوس العظيم بعد ذلك ب 34 سنة. في الفترة المسيحية المبكرة، انتشرت في غزة مدارس الفلسفة والبلاغة، وأصبحت المدينة مركزاً تجارياً مهما. وكان البيزنطيون يقيمون فيها سوقاً شرقياً كبيرا (Bazaars)، يحضره عرب قريش قبل الإسلام. ويقال إن عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للمسلمين استفاد كثيرا من تجارته في غزة، التي وصلت إلى قمة الازدهار مع نهاية العصر البيزنطي.