الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
آتي إليك،
مثل موسى حين تاه في الصحراء،
ينظر خلفه، فلا يرى أرضًا،
وينظر أمامه، فلا يرى وعدًا.
آتيك مثل إبراهيم،
حين خاف أن يُمحى اسمه،
أن تذروه الريح كما تذرو الحكايات غير المكتوبة.

لم تكن آنذاك كتب،
ولا فيديوهات تحفظ الأثر،
ولا أرشيف يشهد أننا كنّا.
آتي إليك كالعشّار،
قلبه على الأرض،
ورأسه لا يجرؤ أن يرتفع.
آتي كالزانية،
تحمل حجارة الناس والعار في نظراتهم.

كلّنا إخوة في الكسر،
في القلب ندبة لم تُشفَ،
وفي الروح خجل لا يُقال.
لكنّك لم ترذل أحدًا،
لا موسى،
ولا إبراهيم،
ولا العشّار،
ولا الزانية.
لم تُغلق الباب قطّ.
فها أنا،
أدخل من دون استحقاق،
وأقف من دون شفاعة،
وأتكلم، لا لأنّ لي حقًّا،
بل لأنّك الإصغاء عينه.
لكن في أذني،

يصخب صوت فويرباخ:
"تمهّل يا أخي!
من تخاطبه لا يُوجَد!
أنت تُسقِط آمالك،
تَعكِسُ اشتياقاتك،
على صورة من صنع قلبك!"
فأُغمض عينيّ...

وأهمس:
وإن لم يوجد،
فأنا لا أستطيع إلّا أن أكلّمه.
ثم ألتفت إلى فويرباخ،
وأقول له بهدوء:
نعم، صديقي...
لكن ألا ترى سؤالًا يصرخ فينا؟
إن لم يكن هناك من هو أسمى،
إن لم يكن ثمّة من يسمع،
ألا تُصبح حياتُنا نكتة بايخة؟
يظهر فيها معنى، ثم يتبدّد،
كظلّ ضحكةٍ في جنازة؟
وفي الزاوية،
يبتسم ماركس ساخرًا،

ويقول:
"كلّ هذا تديّن زائف،
أفيون ناعم لتسكين شقاء الإنسان.
إن كنتم تبحثون عن الخلاص،
فابحثوا عنه في البنى،
في العمل،
في الثورة،
لا في السماء!"
وأكاد أُصدّقه...
لكنّي أسمع في داخلي
أنينًا لا يشفيه نَصّ،
ولا يهدّئه بيان سياسي.
وأسمع أغسطينوس،
من عمق الدهور،

يهمس كما في اعترافاته:
"قد خلقتنا لك يا رب،
وقلوبُنا لا تهدأ،
إلّا إذا استقرّت فيك."
فأقف هناك،
في المنتصف،
لا مؤمنًا تمامًا،
ولا لدي سببٌ لأكفر،
أحمل تساؤلاتي في يدي،
وأنتظر...
ربّما لا يأتيني صوت،
ربّما لا يكتبني أحد،
لكنّي سأظلّ أقول:
آتي إليك.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ