يُعتبر التحليل الفني من الأدوات الأساسية التي يستخدمها المتداولون لدراسة تحركات أسعار الأصول الرقمية والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية. يعتمد هذا النوع من التحليل على مراقبة مؤشرات التداول وأنماط الرسوم البيانية لتحديد فرص الشراء والبيع، بدلاً من الاعتماد على الأخبار أو التوقعات القصيرة الأجل. على سبيل المثال، كثيرٌ من المبتدئين قد يبحثون عن توقعات سعر البيتكوين اليوم، ولكن تحليل حركته عبر الشموع الفنية وتحديد نقاط الدعم والمقاومة يوفر فهمًا أعمق لأسباب تحرك السعر. في هذا الدليل سنشرح بأسلوب واضح ومبسط أساسيات التحليل الفني للعملات الرقمية مع أمثلة من مختلف العملات المشفرة وليس فقط البيتكوين.

أنواع الرسوم البيانية والأشكال الشمعية
تُستخدم ثلاثة أنواع رئيسة من الرسوم البيانية في التحليل الفني: الخطية (Line)، والأعمدة (Bar)، والشموع اليابانية (Candlestick). من بينها، تعتبر الشموع اليابانية الأكثر شيوعًا لأنها تعرض معلومات مكثّفة في كل فترة زمنية. يوضح الرسم البياني للشموع اليابانية أربعة أسعار رئيسية في كل شريط زمني: سعر الافتتاح، والإغلاق، والأعلى، والأدنى. فعلى سبيل المثال، تظهر الشمعة الخضراء عندما يكون سعر الإغلاق أعلى من سعر الافتتاح (دلالة صعود السعر)، بينما الشمعة الحمراء تظهر عندما يكون سعر الإغلاق أقل من سعر الافتتاح (دلالة هبوط السعر).

الشكل أعلاه: مثال لرسم بياني بالشموع اليابانية لعملة رقمية، حيث تمثل الشمعة الخضراء ارتفاع السعر والحمراء انخفاضه خلال الفترة الزمنية المعروضة.

باختصار، تمنحنا الشموع اليابانية صورة واضحة عن مشاعر السوق خلال كل فترة: فتُمكننا من تمييز اتجاه السعر وحجمه بسرعة (من خلال حجم جسم الشمعة وطول الفتائل). كما يمكن للمتداول مبتدئ استخدام هذه الرسوم للتعرف على أنماط انعكاسية واستمرارية شهيرة، مما يجعل الشموع اليابانية نقطة انطلاق قوية في تعلم التحليل الفني.

أهم المؤشرات الفنية (RSI و MACD والمتوسطات المتحركة)
تُستخدم المؤشرات الفنية في التحليل لتوليد إشارات تعتمد على حسابات رياضية من بيانات الأسعار والحجم. من أهم هذه المؤشرات التي يجب على المبتدئين معرفتها:

مؤشر القوة النسبية (RSI): هو مؤشر زخم شائع يكشف مناطق التشبع الشرائي أو البيعي للأصل. يقيس RSI سرعة وحجم تحركات السعر خلال فترة معينة. عندما يتجاوز RSI مستوى 70، يُعتبر الأصل في منطقة تشبع شرائي (overbought)، مما قد يشير إلى احتمال هبوط السعر، وعندما يهبط دون 30، يُعتبر في منطقة تشبع بيعي (oversold)، مما قد يتنبأ بارتداد سعري صعودًا. باختصار، يساعد RSI المتداولين على تحديد مدى قوة الزخم الحالي للاعتماد عليه في إصدارات أو تأجيل صفقات الشراء والبيع.

مؤشر MACD (متوسطات متحركة – التقارب/التباعد): هو مؤشر يتبع الاتجاه ويقيس قوة الزخم أيضًا. يُحسب MACD بطرح المتوسط المتحرك الأسي طويل المدى (عادة 26 فترة) من المتوسط الأسي قصير المدى (عادة 12 فترة). ينتج عن ذلك خط MACD (غالبًا يظهر باللون الأزرق) وخط إشارة (نموذجًا متوسط لـ9 فترات). يعطي تقاطع خط MACD مع خط الإشارة إشارات دخول أو خروج من الصفقة. فعلى سبيل المثال، عند تقاطع خط MACD فوق خط الإشارة، قد يعتبرها بعض المتداولين إشارة شراء (بداية قوة صعودية)، وعند العكس إشارة بيع. يُنصح بدمج MACD مع مؤشرات أخرى لتأكيد الإشارات، لأن الاعتماد عليه بمفرده قد يؤدي إلى إنذارات كاذبة في بعض الأحيان.

المتوسطات المتحركة (Moving Averages): المتوسط المتحرك هو مؤشر شائع آخر لتنعيم بيانات الأسعار وتقليل تقلباتها القصيرة الأجل. يتم حسابه بجمع أسعار الإغلاق لفترة محددة (مثلاً 50 أو 200 شمعة) ثم قسمتها على عدد الفترات. يعمل المتوسط المتحرك على إظهار الاتجاه العام للسعر بسلاسة؛ فإذا كان المتوسط في ارتفاع تدريجي، فهذا مؤشر على اتجاه صعودي، وإذا كان ينخفض، فهذا يشير لاتجاه هبوطي. يستخدم المتداولون المتوسطات المتحركة لتحديد دعم/مقاومة ديناميكية، فمثلاً قد يتصرف المتوسط الطويل (كالـ200) كدعم قوي في الاتجاه الصاعد، أو كمقاومة في الاتجاه الهابط. وعند تقاطع متوسطين (مثل تقاطع متوسط قصير فوق متوسط طويل، ويسمى الذهبية، أو تحت المتوسط الطويل ويسمى الصليبية)، فإن ذلك يعطي إشارات فنية إضافية لتغير الاتجاه المحتمل.

رسم خطوط الاتجاه ومستويات الدعم والمقاومة
يُعتبر رسم خطوط الاتجاه (Trendlines) والمستويات الأفقية للدعم والمقاومة من الطرق الأساسية لتحليل الاتجاهات. خط الاتجاههو خط مستقيم يُرسم على الرسم البياني لربط سلسلة من القيعان الصاعدة في الاتجاه الصاعد (خط دعم) أو القمم الهابطة في الاتجاه الهابط (خط مقاومة). فعلى سبيل المثال، في الاتجاه الصاعد، يجب أن تكون كل قاع متتابع أعلى من السابق، مما يشكل خط اتجاه صاعد يُمثل مستوى دعم ديناميكي للأسعار. الشكل أدناه يوضح مثالًا على خط اتجاه صاعد يعمل كدعم:

الشكل أعلاه: مثال على اتجاه صاعد للسعر مع خط دعم صاعد (الخط الأسود) يربط القيعان. لاحظ كيف ارتد السعر عن هذا الخط عدة مرات حتى انكسر أخيرًا، مما أدى إلى تحول الاتجاه إلى هابط.

كما يوضح الشكل، عندما يكسر السعر خط الدعم الصاعد نزولًا، فإن هذا قد يشير إلى ضعف الاتجاه الصعودي وبداية انقلاب هابط محتمل. في الاتجاه الهابط، نرسم خطًا من القمم الهابطة لتمثيل المقاومة، حيث تلتقي نقاط الضغط البيعي. الشكل التالي يوضح ذلك:

الشكل أعلاه: مثال على اتجاه هابط للسعر مع خط مقاومة (الخط الأحمر) يربط القمم. يتحول هذا الخط لدعم بعد أن كسره السعر صعودًا، مما أدى إلى بداية اتجاه صاعد.

وفقًا للتحليل الفني، يدور مفهوم الدعموالمقاومة حول مناطق السعر التي يُرجح أن تتوقف عندها حركة السعر. الدعم هو منطقة يتجمع عندها المشترون بكثافة فيمنعون السعر من الهبوط أكثر، بينما المقاومة هي منطقة يتجمع عندها البائعون مما يوقف صعود السعر. ويحرص المتداولون على رسم هذه المستويات أفقياً أو عبر المتوسطات المتحركة، لأنها تساعد في تحديد نقاط دخول وخروج محكمة. (فعلى سبيل المثال، قد ينتظر المتداول كسر خط الاتجاه مع إغلاق شمعة فوق مستوى مقاومة ليؤكد استمرار الصعود، أو انتظار ارتداد السعر من خط دعم للشراء).

النماذج الفنية الشهيرة
من خلال مراقبة الرسوم البيانية بالشموع، تظهر أنماط فنية متكررة يمكنها تنبيه المتداول إلى احتمالات التحول أو استمرار الاتجاه. من أشهر هذه النماذج:
نموذج الرأس والكتفين: يعتبر من أنماط الانعكاس الموثوقة للغاية. يتكون من ثلاثة قمم: قمتان جانبيتان متقاربتان في الارتفاع وقمة وسطى (الرأس) أعلى منهما. يظهر الشكل قاعدة (خط العنق) يرتكز عليها الكتفين. عند انكسار السعر تحت خط العنق بعد تكوين الكتف الأيمن، يُتوقع انقلاب الاتجاه الصعودي إلى هبوطي. يستخدم المتداولون هذا النموذج لتوقع هبوط الأسعار بعد انتهاء موجة صعودية كبيرة.

نموذج القمة المزدوجة: يتخذ شكل حرف “M” ويظهر عندما يرتفع السعر مرتين ليصل إلى مستوى مقاومة محدد دون اختراقه، مع تراجع طفيف بين القمتين. يُعتبر هذا النموذج إشارة انعكاس هبوطي؛ إذ يعكس المرة الثانية فشل المشترين في رفع السعر، فيتوقع المتداولون انخفاض السعر بعد الكسر أسفل قاع صغير بين القمتين.

نموذج القاع المزدوج: يتخذ شكل حرف “W” ويظهر عندما ينخفض السعر مرتين ليصل إلى مستوى دعم محدد دون كسره، مع ارتفاع طفيف بين القاعين. يشير هذا النمط إلى انعكاس صعودي؛ ففشل البائعين في كسر مستوى الدعم المزدوج يعزز احتمال ارتفاع السعر بعد تجاوز مستوى المقاومة الصغيرة الواقعة بين القاعين.

تُستخدم هذه الأنماط عادةً بالتزامن مع مؤشرات فنية أخرى أو حجم التداول لتأكيد الإشارة. فعلى سبيل المثال، قد يبحث المتداول عن زيادة في حجم التداول أو تجاوز لمؤشر محدد عندما يظهر نموذج القمة المزدوجة قبل اتخاذ قرار البيع.

دمج التحليل الفني مع حجم التداول
يلعب حجم التداول دورًا حيويًا في تعزيز دقة التوقعات الفنية. فهو يقيس إجمالي عدد الوحدات المتداولة من الأصل خلال فترة معينة، مما يعكس مدى نشاط المستثمرين والرغبة في الشراء أو البيع. بعبارة أخرى، حجم التداول يخبرنا كم من التداولات حدثت على سعر معين، مما يساعد في تقييم صحة حركة السعر. على سبيل المثال، عندما يرتفع السعر مع زيادة واضحة في حجم التداول، فهذا يوحي بثبات الاتجاه وقوة الزخم؛ أما إذا ارتفع السعر ولكن كان الحجم منخفضًا، فقد يشير ذلك إلى تحرك ضعيف وغير موثوق يمكن أن ينقلب قريبًا.

من الاستراتيجيات الشائعة: المؤكد يحتاج إلى الحجم. عند حدوث اختراق سعري لمستوى دعم أو مقاومة مهم، يُعتبر الارتفاع الكبير في حجم التداول دليلًا قوّيًا على صحة الاختراق. فعلى سبيل المثال، إذا اخترق سعر عملة رقمية مستوى مقاومة بصعود واضح وكان حجم التداول أعلى من المتوسط، فإن هذا يعزز الثقة بأن الاتجاه الصاعد سيستمر. أما إذا حدث الاختراق دون زيادة في الحجم، فقد يكون الاختراق زائفًا ويعود السعر إلى وضعه السابق.

بجانب ذلك، يمكن لمؤشرات الحجم المتخصصة مثل مؤشر تدفق الأموال (MFI) أو الأحجام التراكمية (On-Balance Volume) أن تضيف طبقات تحليلية إضافية. يُظهر MFI على سبيل المثال العلاقة بين السعر والحجم ليشير إلى تشبع الشراء أو البيع، شبيهًا بدور RSI ولكن مع دمج الحجم. بشكل عام، يجمع المحللون بين قراءة الشموع، والمؤشرات الفنية، وحجم التداول ليحققوا فهمًا شاملاً لأداء السوق، مما يزيد من دقة التوقعات الفنية للعملات الرقمية ويقلل مخاطر القرارات الخاطئة.