القمص يوحنا نصيف
 
 لعل البعض يتعجبون ويتساءلون: ما هو دخل كاهن قبطي أرثوذكسي ببابا روما، والذي هو رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العالم؟!
 في نفس الوقت، سيظنّ البعض أنّ هناك علاقة بين ما سأكتبه في هذا المقال وبين وجودي منذ فترة في خدمة الكنيسة القبطيّة بمدينة شيكاجو، حيث وُلِدَ ونشأ بابا روما الجديد.. ولكنّ الحقيقة أنّ أفكار هذا المقال تدور بذهني منذ فترة طويلة جدًّا، ورأيتُ الآن أنّه ربّما من المناسب طرحها مع قدوم البابا الجديد.
 
 تحديدًا أودّ أن يهتمّ بابا روما بأمرين، في تقديري أنّهما في غاية الأهمّيّة، وهما في نفس الوقت يحتاجان إلى صبر ومثابرة كبيرة ليتمّ تحقيقهما؛ الأمر الأوّل هو تقوية التعليم الإنجيلي على المستوى الشعبي، والأمر الثاني هو السعي الدؤوب من أجل الوحدة المسيحيّة.
الأمر الأوّل: الاهتمام بالتعليم
 
 على الرغم من أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة هي كنيسة كبيرة جدًّا وعريقة، ولها أفضال عظيمة على المجتمع من خلال خدمات كثيرة متنوّعة، وهي أيضًا كنيسة تقليديّة Traditional Church، أي تحتفظ بالتقليد المسيحي المقدّس، كالأسرار والكهنوت والمجامع والليتورجيّات، وتراث الآباء وكتاباتهم.. كما أنّه يوجَد في الكنيسة الكاثوليكيّة عُلَماء وباحثون وجامعات ومعاهد لاهوتيّة على أعلى المستويات.. إلاّ أنّ الشعب الكاثوليكي -وبالذّات في الغرب- لا يعرف شيئًا تقريبًا عن إيمانه المسيحي ويَجهَل الإنجيل بشكل مثير للشفقة!
 
 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة -حيث أعيش- يوجَد أكثر من 80 مليون مسيحي كاثوليكي، الغالبيّة الكاسحة منهم لا يعرفون يمينهم من شمالهم، من جهة الإنجيل وتاريخ الكنيسة والإيمان المسيحي بوجه عام.. ويوجد أكثر من عشرة أضعاف هذا العدد في بلاد أمريكا الجنوبيّة وأمريكا الوُسطى والمكسيك، في حالة روحيّة وسلوكيّة أسوأ.. هذا أمر مُحزِن للغاية.
 
الواقع أنّه لا يوجَد تعليم حقيقي دسم في الكنائس الكاثوليكيّة، ولا اجتماعات لدراسة الكتاب المقدّس، ولا يوجد اهتمام أصلاً بمدارس الأحد، ولا يوجَد أي درجة من التشجيع على اقتناء الكتاب المقدّس من أجل القراءة اليوميّة فيه، وبناء علاقة قويّة مع كلمة الله المُحيية، ومع شخص ربّنا يسوع المسيح.. ولأنّ وصايا الله المُعلَنة في الأسفار المقدّسة هي المعيار الأساسي للسلوك المسيحي، فغياب معرفة كلمة الله يؤدّي إلى انهيار سلوكي كبير!
 
هذا الواقع المؤلم هو ما يُضعِف الكنيسة الكاثوليكيّة جدًّا، ويجعل البعض يغادرونها كما لمستُ بنفسي، إذ يجدون في كنائس أخرى تعليمًا إنجيليًّا مُشبِعًا، وإجاباتٍ لأسئلة عديدة تواجههم، وفَهمًا أفضل لإيمانهم المسيحي، وتقويمًا لسلوكهم كي يكون بحسب ما يحقّ لإنجيل المسيح!
 
إنّ الوضع الحالي في الكنيسة الكاثوليكيّة يحتاج إلى نهضة تعليميّة كبيرة على المستوى الشعبي، واهتمام بتعليم الكتاب المقدّس للنشء، وتنشيط اجتماعات دراسة الكتاب المقدّس في الكنيسة وفي البيوت، وتشجيع كلّ إنسان على اقتناء نسخة شخصيّة من الكتاب المقدّس، والتمتّع بالقراءة اليوميّة فيها.. كما أنّ على المدارس الكاثوليكيّة المنتشرة الاهتمام بتدريس الكتاب المقدّس، وتحفيظ الأطفال يوميًّا آياتٍ من الإنجيل، كما تفعل باقي المدارس المسيحيّة!
 
هذه النهضة المطلوبة يَلزَمها رؤية واضحة بروح الصلاة، وتخطيط مدروس على مدى زمني، وبرامج دسمة، وعمل جماعي متكامل، من أجل تقوية الكنيسة الكاثوليكيّة على مستوى إيمان وفهم وسلوك كلّ عضو من أعضائها.. وفي النهاية، فإنّ قوّة الكنيسة الكاثوليكيّة بركة كبيرة للمسيحيّة كلّها، وللشهادة الحيّة المُشرِقة لإلهنا الصالح القدّوس.
 
نتابع حديثنا في المقال القادم، بنعمة المسيح.