بقلم المستشار نجيب جبرائيل
من قلب العاصمة العراقية بغداد، جاء صوت سيادتكم مدوّيًا، بنبرات تملؤها الشجاعة والجرأة والثقة بالله وبالنفس. جاءت كلمتكم لتؤكد من جديد مبادئ مصر الراسخة التي نُقشت في وجدان شعبها، وترعرعت بين أضلاع هذا الشعب الأبي: أن لا تفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، وأن التهجير مرفوض من مصر شكلاً وموضوعًا.
 
حتى وإن توارت بعض الوجوه عن إعلان هذا الرفض خجلًا، أو ناقشته في الغرف المغلقة، جاء موقفكم صريحًا واضحًا، لا لبس فيه: لا سلام دون حق، ولا تطبيع يُجدي ما لم يُعترف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
 
لقد جاءت كلمتكم في القمة العربية ببغداد في لحظة فارقة، وسط ظروف استثنائية يعيشها العالم العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب — كأول محطة له بعد توليه الرئاسة — إلى المملكة العربية السعودية، حيث عُقدت صفقات بمليارات الدولارات وقمم متعددة مع دول الخليج.
 
والأغرب من ذلك، استدعاء الرئيس السوري السابق أحمد الشرع، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب زعماء الدول الخليجية، في مشهد يشي بملامح تغيير مرتقب في خريطة المنطقة، وسط تسريبات عن إمكانية تهجير نصف مليون فلسطيني إلى ليبيا.
 
ورغم كل ما دار في كواليس تلك الزيارات والاجتماعات — سواء المعلنة أو خلف الأبواب المغلقة — بقيت مصر على موقفها الثابت، الواثق، غير المتزعزع، رغم هطول الأموال الخليجية على الخزانة الأمريكية والتي قُدرت بتريليوني دولار.
 
ولعل الأدهى أن يُطلب من ترامب رفع العقوبات عن النظام السوري ورموزه، ويستجيب سريعًا، بينما لم نسمع عن مطلب واحد يُطالب بوقف آلة القتل الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أو نجد له نتيجة ملموسة.
 
وسط كل تلك الصفقات والمواقف واللقاءات، ورغم غياب العديد من ملوك ورؤساء الدول العربية عن قمة بغداد، وقفتم سيادة الرئيس موقفًا وطنيًا تاريخيًا، لم تهادنوا فيه، ولم تتنازلوا عن شبر من الثوابت.
 
لم تؤثّر فيكم التريليونات، ولم تُغركم المقاعد الفخمة ولا الموائد العامرة. لأنكم رئيس لشعب له من المبادئ والقيم ما يرسخ كالجبال والأهرامات، شعب لا يفرط ولا يُفرَّط فيه.
 
ستظل مصر — شئنا أم أبينا — هي مفتاح أي حل في هذه المنطقة. ولنا في الماضي القريب عبرة حين أعلنتم أن “سرت والجفرة خط أحمر”، فتوقفت الأطماع في ليبيا في لحظات. وعندما أكدتم أن حدود مصر الشرقية خط أحمر، تغيّرت الحسابات وتبدلت المواقف.
 
وليَعلم سيادتكم — وبكل صدق وشجاعة وأمانة — أن الثلاثين مليون مصري الذين خرجوا يوم 30 يونيو 2013، ومثلهم في 3 يوليو، قد أصبحوا اليوم أضعافًا مضاعفة. يقفون خلفكم، ويؤيدونكم، ويضحّون بالغالي والنفيس من أجل مصرنا الحبيبة.
 
فمحبة ملايين المصريين أغلى من أي صفقة، وأثمن من تريليونات تُوزّع هنا وهناك. محبة صنعت أمجاد هذا الشعب حين التحم مع جيشه وقائده.
 
فلست وحدك، يا سيادة الرئيس…
وليس المصريون وحدهم، بل قلوبهم وعقولهم وكل ذرة من أرض هذا الوطن تقف معك وتساندك.