حمدي رزق
لم تكن (القاهرة) على خط سير رحلة الرئيس الأمريكى الاقتصادية إلى الخليج.
الرئيس «دونالد ترامب» ذهب لاقتناص استثمارات خليجية سانحة لإنعاش الاقتصاد الأمريكى.
قصد عواصم عربية ثلاث بالتحديد (الرياض، الدوحة، أبو ظبى)، قادرة على إحداث النقلة النوعية التى وعد بها ترامب الشعب الأمريكى فى حملته الانتخابية، وقد كان له ما أراد وبزيادة من الحفاوة والكرم العربى الحاتمى.
الملفات السياسية كانت على هامش الحوارات (الخليجية/ الأمريكية)، حتى ملف (الحرب فى غزة) لم يكن هما رئيسًا، مجرد تصريحات للاستهلاك الدولى (فى النطاق العربى) يطلقها ترامب ويؤمن عليها قادة مجلس التعاون بخطابات متعاطفة فلسطينيًا، تطلب الحل من سيد البيت الأبيض.
الحلول ستأتى لاحقا، وسيتولاها، المبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»، الذى يتوفر على إنضاج حل أمريكى ترضى عنه (تل أبيب) وتقبله (حماس).
هذه نقرة.. وتلك نقرة، ترامب لا ينشغل بالتفاصيل السياسية لديه اهتمامات استثمارية أخرى، له فيها (فى الزيارة) مآرب أخرى، أطلقها باكرا، مزيد من الاستثمارات النفطية، تلك نقرة، وإيقاف الحرب تلك نقرة!
وغسل يديه من دماء الفلسطينيين، فحسب يطلق وعودا سلامية، ترسمه داعية السلام، تطربه ترنيمة «طوبى للساعين إلى السلام»، كافية لينال جائزة «نوبل للسلام» حلمه الذى ملك عليه حياته.
الرحلات الأمريكية الاستثمارية لا ولن تمر بالقاهرة، مصر ليس لديها فوائض تشبع نهم ترامب للصفقات، وليس لديها ما تقدمه من هدايا ثمينة تبريكًا لمقدمه، مصر فحسب تملك حلولًا واقعية لحل القضية الفلسطينية بعيدًا عن الصفقات العقارية التى يرومها ترامب.
مصر عصية على التطويع الأمريكى، لا تقبل بغير حل الدولتين، أخشى مصر باتت عقبة كؤود فى مواجهة (النهم الترامبى) الذى يستهدف غزة بمخطط عقارى يغير التاريخ والجغرافيا.
غياب مصر أو تغييبها عن رحلة ترامب، لا يغير فى المعادلات الإقليمية التى تقول (لا سلام دون مصر)، كما تقول (لا حرب بدون مصر)، مصر حاضرة بثقلها، بتاريخها، وتضحياتها فى قلب القضية الفلسطينية، لم تغب يومًا، مصر حضور رغم الغياب.
ترامب فى الخليج، والحل فى مصر، وهو يعلم وأركان إدارته تعلم علم اليقين أن خيوط الحل فى القاهرة، وأن مركز الثقل فى القاهرة، والالتفاف حول القاهرة من أعلى بطائرة ترامب لا يرسم مسارات جديدة على الأرض، ولا يغير من الخرائط، ولا يغرى فلسطينى رابض فى أرضه أن يغير قبلته المصرية.
تظل القاهرة حائط الصد الأخير، وعلى حائطها تتكسر الرماح، حل دون القاهرة مثل بناء «ريفيرا» على رمال غزة، قصور من رمال يجرفها الموج فى لجة واحدة فى بحر مضطرب سياسيا.
ترامب ومجموعة المستثمرين والمطورين العقاريين الأمريكان لا يعرفون سوى لغة الصفقات، لا يهمهم التفاصيل، ولا يشغلون أنفسهم بالضحايا، نتنياهو أنجز نصف المهمة، دمر غزة، حولها إلى أنقاض، فتح الطريق نحو صفقة عقارية ثمينة، يسيل عليها لعاب ترامب.
حظ ترامب العاثر يجد مصر فى الصفقة، مثل لقمة ناشفة عصية على البلع، لولا موقف الإدارة المصرية المبدئى والثابت كالصخرة لابتلع (حوت ترامب) غزة وما عليها فى جوفه هنيئًا مريئًا دون أن يزعق عليه أحدهم.
تغييب مصر تبعه تغييب حل القضية، ترامب لم ينشغل بغزة، تشاغل عن حرب الإبادة، بإحصاء المليارات التى تحصل عليها، ونحن نحصى الضحايا، ونتقطع من لحم الحى لغوث الجوعى والمشردين، ونجتهد فى وساطة لإيقاف نزيف الدم، فعلا الحزن عارف أصحابه، أقصد الهم عارف أصحابه، ومصر مهمومة بطفل فلسطينى مشرد لا يجد كوبا من الحليب، وترامب يشرب بثمن غزة لبنًا دافئًا من بقرة العرب الحلوب.
نقلا عن المصري اليوم