الأب رفيق جريش
عندما تتلاقى الحضارات يكون خيرًا للإنسانية كلها، هذا ما تم فى زيارة الرئيس فى الأسبوع الماضى، فى زيارته الخامسة لأثينا، فالحضارتان تتلاقيان، الحضارة المصرية والحضارة الإغريقية، ورغم الزمن الذى مضى رسمت هاتان الحضارتان على الشعبين قيمهما وثقافاتهما وتراثهما، خاصة أن الحضارتين تلاقتا عدة مرات فى التاريخ القريب والبعيد، لذا زيارة الرئيس السيسى إلى اليونان لم تكن زيارة بروتوكولية بالمعنى المفهوم بل حملت رسائل واضحة حول رؤية مصر لتحالف إقليمى متوازن، يستند إلى القانون الدولى ويواجه التحديات بالأدوات الدبلوماسية والتنموية والمصالح المشتركة. وهى خطوة تؤكد أن القاهرة وأثينا تمضيان قدمًا نحو بناء محور استقرار فى شرق المتوسط، يُعزّز الأمن ويفتح آفاق التنمية المشتركة فى كافة المجالات ونجاح مصر فى وقف الهجرة غير الشرعية، يعزز علاقاتها بأوروبا ويفتح فرص عمل للشباب المصرى لحل أزمة البطالة.

وموقع اليونان داخل الاتحاد الأوروبى هو بوابة مصر إلى أوروبا، وقد كان البعد الثقافى والإنسانى حاضرًا، من خلال التذكير بمبادرة «إحياء الجذور» التى أطلقها الرئيس فى ٢٠١٧، والتى تهدف إلى الاحتفاء بالجاليات اليونانية والقبرصية فى مصر وتعزيز الترابط التاريخى بين الشعوب الثلاثة. كما ناقش الطرفان سبُل دعم التبادل الثقافى والسياحى الذى تسعى إليه مصر.

عندما يذهب المصرى إلى اليونان فهو دائمًا مرحب به من جميع الفئات، فالحضارة المصرية مقدرة جدًا، ومصر الحالية مقدرة جدًا جدًا، فهم أقرب من فى أوروبا من عادات وتقاليد، ولا ننسى أن الجالية المصرية هناك كبيرة وفعالة فى المجتمع اليونانى، ولا ننسى أيضا اليونانيين الذين وُلد فى مصر ويتكلمون اللهجة المصرية ويتذكرون آباءهم، ومازالت الجالية اليونانية فى مصر فعالة بل مستثمرة فى بلدهم الثانى مصر، لذا تأتى زيارة الرئيس السيسى الخامسة لليونان فى إطار شراكة استراتيجية متنامية بين القاهرة وأثينا، وقد حملت الزيارة رسائل سياسية واقتصادية وثقافية، تؤكد عمق التحالف بين البلدين، ودورهما كلاعب محورى فى منطقة شرق المتوسط، ووسط متغيرات إقليمية وصراعات دولية، وهو ما يمثل تحالفًا تاريخيًا فى مواجهة تحديات الحاضر.

إن العلاقات المصرية- اليونانية شهدت طفرة كبيرة فى السنوات الأخيرة بدأت منذ عام ٢٠١٤ مع انطلاق آلية التعاون الثلاثى بين مصر واليونان وقبرص، هذا التحالف الإقليمى يسعى إلى مواجهة التحديات المشتركة، أبرزها التوترات البحرية، أزمات الطاقة، والتدخلات الإقليمية، كما أن زيارة الرئيس السيسى تأتى فى توقيت بالغ الأهمية، فى ظل تداعيات الحرب فى أوكرانيا ومساعى أوروبا للبحث عن مصادر الطاقة بعيدًا عن الغاز الروسى. وقد عززت الزيارة موقع مصر كدولة منتجة ومصدّرة محتملة للطاقة إلى القارة الأوروبية، وقد ركزت المناقشات على تعزيز التعاون فى مجالى الطاقة والنقل البحرى، وسبل تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية السابقة، وعلى رأسها مشروع الربط الكهربائى بين البلدين. كما تم تجديد الالتزام باتفاقية تعيين الحدود البحرية الموقعة عام ٢٠٢٠، والتى تمثل نموذجًا لاحترام القانون الدولى وتسوية النزاعات البحرية بعيدًا عن التصعيد.

وكانت ثمار التعاون مع اليونان أن وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين العام الماضى ٢٠٢٤ نحو ١.٥ مليار دولار، فى مؤشر واضح على متانة العلاقات الاقتصادية ورغبة الطرفين فى تعزيز الاستثمار وخلق فرص عمل، وتحسين مؤشرات النمو. على المستوى السياسى أظهرت الزيارة توافقًا لافتًا بين القاهرة وأثينا حول قضايا إقليمية عدة، من بينها الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية والاتفاق على رفض التهجير القسرى فى قطاع غزة، كما شدد الجانبان على احترام السيادة الوطنية للدول ورفض محاولات فرض الأمر الواقع فى شرق المتوسط. كما اتفقا على تعزيز التنسيق داخل المحافل الدولية، مستفيدين من الدور المصرى فى إفريقيا وآسيا، هكذا يكون حوار الحضارات العملى والفعلى، وهو العمل المشترك لصالح الشعوب ونهضتها والتكامل فيما بينها.
نقلا عن المصري اليوم