بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
أن فصاحة أثناسيوس في المجمع النيقاوى قد جرت عليه كل البلايا التى صادفها في حياته ( سقراط المؤرخ ) .
هو البطريرك العشرون من رؤساء أساقفة الإسكندرية ويلقب بالرسولى لتشابه كفاحه وجهاده بالرسل الأطهار .
ولد في الإسكندرية حوالى سنة 295 من أسرة مصرية صميمة كانت تدين بالوثنية ، وقد توفى والده وه وصغير فقامت أمه بتربيته على انه كان يميل لمخالطة المسيحيين ولم يرد ان يتزوج عند كبره. وقد أرسلته أمه إلى مدرسة أولية كان معظم طلابها من المسيحيين وقد أظهر أثناسيوس منذ صغره ميلاً للمسيحية وحباً لتعاليمها ، وحدث ذات مرة أن أتفق الغلمان على تمثيل الدور الكنسى كاملأ وصاروا يعمدون الأطفال مثل الكهنة على شاطئ البحر ، فشاهد البابا الكسندروس الأول من كوة في مقره بالبطريركية ولم يعترض البابا على تلك المعمودية ولم يضف إليها سوى مسحة الميرون المقدس ثم أبتدأ البابا الكسندروس في أحتضان هذا الفتى وألحقه بالمدرسة اللاهوتية ألتي أسسها القديس مرقس الرسول ، فتهذب بكل أدبها الراقية وتعمق بنوع خاص في أصول اللغة اليونانية فوقف على حقائق الأسفار المقدسة وعرف كل أسراراها العويصة ، ولما وقف البابا الكسندروس على نبوغ تلميذه الجليل سامه شماساً ثم رئيساً للشمامسة وفوض إليه أن يتكلم بأسمه ويعبر عن أرادته في المحافل الدينية والمدنية .
وقد اصدر عام 318 م وهو لا يزال طالبا كتابه الاول ( رسالة ضد الوثنيين ) ثم ذهب الى البرية الشرقية فتعلم من الأنبا انطونيوس الحياة النسكيه ورسم شماسا عام 319 م وكان القديس أثناسيوس قصير القامة رقيق البنية ذو جبهة عريضة وانف مقوس وفم دقيق ولحية قصيرة متصلة بشاربين كبيرين وكان ذا شعر خفيف اسمر اللون ضارب الى الحمرة . وكان سكرتيرا خاصا للبابا الكسندروس عام 313 م . كتب القديس اثناسيوس العديد من الرسائل تفند بدعة اريوس وتوضح عدم صحتها .
وقد اصطحبه البابا الكسندروس إلي مجمع نيقية المنعقد لمحاكمة اريوس وهناك قلعب هذا القديس دوراً هأما إذ تصدى لتعاليم أريوس الغريبة التي أن كادت تقسم الكنيسة وأوضح له فساد رأيه ومن ، مما جعله موضع إعجاب اباء مجمع نيقة حتى الملك . ثم تسربل أريوس بالخزى والخجل وتم الحكم بحرمه . "
قسطنين قال له بعد انتهاء المجمع " انت بطل كنيسة الله " وبعد نياحة البابا الكسندروس انتخب القديس اثناسيوس خلفا له بناء على وصيته و مع انه حاول الإفلات من عبء هذه الوظيفة ولكن رفع الى رتبة البطريركية فى اواخر عام 326 م وكان عمره وقت إذ 28 عام ووضع عليه الايادى لاول مرة خمسون اسقف وكان قد رسم فرمنتيوس كأول أسقف على اثيوبيا بأسم " ابا سلامة الاول " وذلك عام 330 م
القديس أثناسيوس لم يخترع شيئاً جديداً بل استلم من معلمه وأستاذه البابا ألكسندروس، الذى استلم بدوره من البابا بطرس خاتم الشهداء "الإيمان المسلم مرة للقديسين" (يه 3). وحينما وقف الشماس أثناسيوس فى مجمع نيقية يحاور أريوس كان فى وقوفه يشعر بقوة الأبوة التى كان يشمله بها البابا ألكسندروس وبمساندته له.
كانت للبابا ألكسندروس كتابات ضد الأريوسية، وهو أول من عقد مجمعاً بالإسكندرية حضره مائة أسقف للحكم على أريوس وحرمه فيه، وهو يعتبر من كبار اللاهوتيين فى تاريخ كنيستنا. لكن فى ذلك الحين أثناء الصراع مع أريوس والرد على الآيات التى كان يستخدمها ويسئ تفسيرها كان الأمر يتطلب محاوراً قوياً مثل أثناسيوس. فكان المعلم والتلميذ معاً فى المجمع، وكان التلميذ متفوقاً وبارعاً جداً أمام كل المجمع بدرجة أثارت انتباه العالم المسيحى كله بالرغم من الاضطهادات التى وقعت عليه حتى أنه أخذ لقب "الرسولى" بعد أن صار بطريركاً.
جمع القديس أثناسيوس بين أمرين الأول هو أنه استلم الإيمان، والثانى أنه كان محاوراً قوياً قوى الحجة، وقدَّم إيمان أسلافه من البطاركة خاصة البابا ألكسندروس بصورة قوية جداً، بل ومقنعة جداً. فوقعت كلمات أثناسيوس القوية وحجته الدامغة وقع المطرقة على أريوس ومؤيديه. وسجد الجميع شاكرين لله على استخدام هذا الشاب الصغير، كما حيّاه الإمبراطور قائلاً: أنت بطل كنيسة الله.
تجدون في كتابات البابا ألسكندروس نفس التعليم الذى علّم به القديس أثناسيوس لكن مع توسع كبير عند القديس اثناسيوس لأنه رد باستفاضة على الفهم الخاطىء للآيات التى استخدمها أريوس.
ويضاف إلى ذلك أن القديس أثناسيوس احتمل آلاماً كثيرة جداً من تشرد ونفى. وفى أثناء نفيه كان يبشر بالمسيحية فى أوروبا واجتذب إلى الإيمان المسيحى العديد من القبائل الوثنية، ولكنه لم يحاول أن يضمهم إلى إيبارشيته أى إلى كنيسة الإسكندرية. بشر البابا أثناسيوس فى أوروبا ولم يطلب من كل من ولدوا فى الإيمان على يديه أن يتبعوا كرسى الإسكندرية، ولم يعمل لنفسه إيبارشية داخل الكرسى الرومانى.
نفى القديس اثناسيوس خمس مرات:
1- فى عهد قسطنطين(335-337)م فى تريف 0
2-فى عهد قسطنطيوس (339-346) م حيث زار روما .
3 -وإيضا في عهد قسطنطيوس(356-362) م حيث عاش في برارى مصر .
4- في عهد يوليانوس (362-363) م
5- في عهد فالنز (365-366) م
كتاباته:-
" إن وجدت كتاباً لأثناثيوس وليس معك ورق لتنسخه اكتبه على قميصك" ( راهب من القرن الثامن(
تقسم كتابات اثناسيوس الى:-
1-كتابات دفاعية وعقيدية, مثل: أ- (ضد الوثنيين) , (تجسد الكلمة) ب- ثلاث مقالات ضد الاريوسيين.
2- رسائلة تضم : أ- الرسائل الفصحية. ب- أربع رسائل لسرابيون. ج - رسائلة الاسقفية الرسميه.
د- رسائل تعليمية عن (تعليم ديويسيوس ),(قوانين نيقيه)مع رسائل تعالج موضوع التجسد.
3- كتابلت تاريخيه جدليه : أ- دفاع ضد الاريوسيين. ب- دفاع ضد قسطنطيوس0 ج- دفاع عن هروبه. د- تاريخ الاريوسيين.
4-نسكيات, تضم : أ- حياة انطونيوس. ب- مقالات عن البتولية. ج- حياة سنكتيكى المنسوب لاثناسيوس
د- مقتطفات عن مقالاتة عن البتولية بالقبطيه والسريانيه والارمينيه
5- تفسيرية : أ- تفسير المزامير ب- تعليقات على المزامير,الجامعة,نشيد الانشاد,التكوين
لقد كان كرسى روما والإسكندرية فى ذلك الوقت متحدان فى الإيمان إلى حد كبير على الرغم من مرور فترات ضعف على الكنيسة فى العالم كله، فى مرحلة محدودة، ظل فيها أثناسيوس وحده متمسكاً بالإيمان الصحيح. مر وقت كاد فيه العالم كله تقريباً أن يصير أريوسياً لولا أثناسيوس. ففى وقت من الأوقات عزل الإمبراطور البابا الرومانى وعين آخر مكانه ليوقع على قانون الإيمان الأريوسى، ولما عاد البابا من سجنه إلى كرسيه وقّع على قانون الإيمان الأريوسى الذى كان قد رفض التوقيع عليه من قبل. هذه هى المرحلة التى لم يبقى فيها سوى أثناسيوس وأساقفته فى مصر وحدهم هم المتمسكون بالإيمان الصحيح. لذلك ليس غريباً أن يقول اشعياء النبى: "مبارك شعبى مصر" (أش19: 25). عندما انهارت المسيحية فى العالم كله وخضعت أمام الطغيان الأريوسى ولم يبقى سوى كرسى الإسكندرية ممثلاً فى البابا السكندرى المنفى وأساقفته المصريين. ونحن علينا أن نقتفى آثار خطوات آبائنا.
التشبيه عند القديس أثناسيوس:
وقد استخدم القديس أثناسيوس تشبيه الينبوع والتيار فى وصف العلاقة بين الآب والابن. فقال الينبوع والتيار هما نفس الماء الواحد (مياه واحدة). الينبوع هو والد والتيار هو مولود. ولكن ينبوع الماء لا يلد تياراً من الزيت أو الزئبق أو أى سائل آخر. وبهذا لا نرى اختلافاً فى الجوهر بين الينبوع والتيار. فلا يمكن لينبوع ماء حلو أن ينتج تياراً من ماء مر أو ماء مالح. وقد تكلم القديس يعقوب الرسول عن هذه النقطة فقال: "ألعل ينبوعاً ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر. هل تقدر يا إخوتى تينة أن تصنع زيتوناً أو كرمة تيناً ولا كذلك ينبوع يصنع ماء مالحاً وعذباً" (يع3: 11-12).
قال القديس أثناسيوس: [ولكن كما أن النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين واسمين. لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب، فالآب هو أب الابن، والابن هو ابن الآب. وكما أن الينبوع ليس هو النهر، والنهر ليس هو الينبوع، ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذى يسرى فى مجرى من الينبوع إلى النهر، وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل فى الابن بلا تدفق أو انقسام. لأن السيد المسيح يقول "خرجت من الآب" وأتيتُ من عند الآب. ولكنه دائماً أبداً مع الآب، وهو فى حضن الآب. وحضن الآب لا يَخْلُ أبداً من الإبن بحسب ألوهيته.]. لأن القديس يوحنا الإنجيلى يقول "الله لم يره أحد قط، وحيد الجنس الإله الذى هو فى حضن الآب، هو خبّر" (يو1: 18). فحضن الآب لا يخلو أبداً من الابن حتى حينما تجسد عندما أرسله الآب إلى العالم وقال "خرجت من عند الآب" (يو16: 28).
والقديس أثناسيوس الرسولى يشير إلى أن الآب هو ينبوع الحكمة وينبوع الحياة. وأن الابن هو الحكمة وهو الحياة. وإليك نص ما قاله فى ذلك: [ إن كان يقال عن الله أنه ينبوع حكمة وحياة كما جاء فى سفر أرمياء "تركونى أنا ينبوع المياه الحية" (أر2: 13) وأيضاً "كرسى مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا. أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون. والحائدون عنى فى التراب يُكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" (أر17: 12، 13). وقد كتب فى باروخ "إنك قد هجرت ينبوع الحكمة" (باروخ3: 12) وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبين عن جوهر الينبوع بل هما خاصة له (خواص له)، ولم يكونا أبداً غير موجودين، بل كانا دائماً موجودين. والآن فإن الابن هو كل هذه الأشياء وهو الذى يقول "أنا هو.. الحياة" (يو14: 6).. كيف إذاً لا يكون كافراً من يقول "كان وقت ما عندما لم يكن الابن فيه موجوداً لأن هذا مثل الذى يقول تماماً كان هناك وقت كان فيه الينبوع جافاً خالياً من الحياة والحكمة. ولكن مثل هذا الينبوع لا يكون ينبوعاً، لأن الذى لا يلد من ذاته (أى من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً.] (المقالة الأولى ضد الأريوسية، فصل 6 : 19).
الينبوع إذا لم يلد لا يكون ينبوعاً فإذا ألغينا الابن فإننا نلغى الآب. "لأن الذى لا يلد من ذاته (أى من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً" كما قال القديس أثناسيوس. ظن أريوس أن الآب متفوق لأنه هو وحده الذى يلد، لكن هل هناك آب بدون ابن؟
وفى دفاع القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات عن ألوهية الابن فى مقالاته اللاهوتية الخمسة التى قالها رداً على إفنوميوس الأريوسى قال [ وتسألنى (يسخر منه) متى ولد الابن (متى خلق)؟ فأقول لك لقد ولد الابن حينما لم يكن الآب مولود ]. وهو بذلك يريد أن يحرج الأريوسيين بأنهم ينكرون أبوة الآب الأزلية حينما ينكرون أزلية الابن. لأن القديس غرغوريوس قال إن الأبوة بالنسبة للآب لا يمكن أن تكون صفة حادثة أو مكتسبة. ولم يحدث إطلاقاً أن الآب لم يكن آباً لكى ننكر ميلاداً للابن منه بلا بداية وقبل كل الدهور وبالطبيعة وليس بالإرادة. أى أن الابن مولود ولادة طبيعية من الآب، فلم يحدث أن الآب كان كائناً ثم فكّر فى زمن ما لماذا لا يكون آب، فولد الابن.