مارجريت عازر

تحقيق العدالة الاجتماعية دون الإخلال بحق الملكية من أكبر التحديات التى تواجه الدولة فى ملف الإيجارات القديمة. فكيف يمكن إعادة التوازن إلى علاقة مأجورة امتدت لعقود؟

ما زال قانون الإيجارات القديمة يُثير جدلاً واسعاً فى الأوساط التشريعية والقانونية والاجتماعية، لما له من تبعات مباشرة على ملايين من المواطنين سواء من الملاك أو المستأجرين، خصوصاً فى ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية باتت أكثر تعقيداً.

نشأ القانون فى سياق اجتماعى معين خلال القرن الماضى، حين كانت الدولة تسعى لحماية الطبقات محدودة الدخل فى ظل أزمة سكن خانقة. فجاء الامتداد القانونى لعقود الإيجار كوسيلة لضمان الاستقرار السكنى، لكنه فى الوقت ذاته وضع المالك فى موقف غير متكافئ، إذ تقاضى على مدار عقود إيجارات زهيدة لا تتناسب مع القيمة السوقية للعقار.

وهو ما أدى مع مرور الزمن إلى نتائج عكسية، أهمها تهالك آلاف الوحدات السكنية، وعزوف الملاك عن صيانتها أو استثمارها، بل وتحول العلاقة الإيجارية إلى إرث متناقل رغم أن العلاقة الأصلية كانت شخصية ومحددة بأطرافها الأصليين.

وفى ضوء التحولات الدستورية التى شهدتها مصر، خاصة بعد دستور 2014، بدأت المحكمة الدستورية العليا تتدخل لحسم الجدل حول شرعية بعض مواد القانون، مؤكدة فى عدة أحكام أن الامتداد اللانهائى لعقود الإيجار يُعد مساساً صريحاً بالحق فى الملكية، الذى نص عليه الدستور فى مادته 35.

 

وقد أصدرت المحكمة فى حكمها رقم 70 لسنة 18 قضائية «دستورية» قراراً مهماً يقضى بعدم دستورية بعض أشكال الامتداد القانونى لعقود الإيجار غير السكنية، فاتحة الباب أمام السلطة التشريعية لإعادة تنظيم هذا الملف على أسس جديدة تحقق العدالة لجميع الأطراف.

 

الدولة اليوم أمام معادلة صعبة: كيف تحقق العدالة للمالك دون أن تُلقى بالمستأجر إلى مصير مجهول؟ وتكمن الإجابة فى حلول تشريعية متدرجة تضمن الانتقال العادل من وضع استثنائى إلى وضع طبيعى.

ولذا يجب على المشرع سن قانون جديد يعيد تنظيم العلاقة الإيجارية مع مراعاة البُعد الاجتماعى.

إنشاء صندوق دعم المستأجر غير القادر، لتفادى أى أعباء اجتماعية قد تنتج عن رفع القيمة الإيجارية.

تطبيق زيادات تدريجية ومدروسة فى الإيجارات، تُحدَّد وفقاً للقيمة السوقية ومعدل دخل السكان.

تحفيز الملاك على ترميم وحداتهم من خلال حوافز ضريبية وقروض ميسرة.

إن إصلاح قانون الإيجارات القديمة لا يجب أن يُفهم باعتباره «انتصاراً لطرف على آخر»، بل هو محاولة لاستعادة التوازن المفقود فى علاقة قانونية طال أمدها. ومع تدخل المحكمة الدستورية وتزايد الأصوات المنادية بالتعديل، لم يعد من المقبول تأجيل هذا الملف، بل يجب التعامل معه ضمن رؤية شاملة تراعى الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية.

نقلا عن المصرى اليوم